Senin, 10 April 2017

JAMIUL ULUM WAL HIKAM HADIS KE 16



[الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصِنِي قَالَ لَا تَغْضَبْ]
الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصِنِي، قَالَ: «لَا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ: لَا تَغْضَبْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هَذَا الْحَدِيثُ خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْحُصَيْنِ الْأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ مُسْلِمٌ، لِأَنَّ الْأَعْمَشَ رَوَاهُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي إِسْنَادِهِ فَقِيلَ: عَنْهُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، كَقَوْلِ أَبِي حُصَيْنٍ، وَقِيلَ: عَنْهُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَعِنْدَ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ: عَنْهُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ، وَقِيلَ: عَنْهُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ جَابِرٍ، وَقِيلَ: عَنْهُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرِ مُسَمًّى. وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حُصَيْنٍ أَيْضًا وَلَفْظُهُ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا وَلَا تُكْثِرْ عَلَيَّ لَعَلِّي أَعِيهِ، قَالَ: لَا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ ذَلِكَ مِرَارًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا تَغْضَبْ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِغَيْرِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَلَا تُكْثِرْ عَلَيَّ قَالَ: لَا تَغْضَبْ» . فَهَذَا الرَّجُلُ طَلَبَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُوصِيَهُ وَصِيَّةً وَجِيزَةً جَامِعَةً لِخِصَالِ
الْخَيْرِ، لِيَحْفَظَهَا عَنْهُ خَشْيَةَ أَنْ لَا يَحْفَظَهَا لِكَثْرَتِهَا، فَوَصَّاهُ النَّبِيُّ أَنْ لَا يَغْضَبُ، ثُمَّ رَدَّدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَيْهِ مِرَارًا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَدِّدُ عَلَيْهِ هَذَا الْجَوَابَ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغَضَبَ جِمَاعُ الشَّرِّ، وَأَنَّ التَّحَرُّزَ مِنْهُ جِمَاعُ الْخَيْرِ. وَلَعَلَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَقَدْ خَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، قَالَ: لَا تَغْضَبْ وَلَكَ الْجَنَّةُ» . وَقَدْ رَوَى الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ عَمِّهِ جَارِيَةَ بْنِ قُدَامَةَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي قَوْلًا، وَأَقْلِلْ عَلَيَّ لَعَلِّي أَعْقِلُهُ، " قَالَ لَا تَغْضَبْ " فَأَعَادَ عَلَيْهِ مِرَارًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: " لَا تَغْضَبْ» خَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَنَّ جَارِيَةَ بْنَ قُدَامَةَ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ. فَهَذَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ السَّائِلَ هُوَ جَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ، وَلَكِنَّ ذِكْرَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ أَنَّهُ قَالَ: هَكَذَا قَالَ هِشَامٌ، يَعْنِي: أَنَّ هِشَامًا ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ جَارِيَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ يَحْيَى: وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَا قَالَ الْعِجْلِيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّهُ تَابِعِيٌّ وَلَيْسَ بِصَحَابِيٍّ. وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي، قَالَ: لَا تَغْضَبْ قَالَ الرَّجُلُ: فَفَكَّرْتُ حِينَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ، فَإِذَا الْغَضَبُ يَجْمَعُ الشَّرَّ كُلَّهُ» وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي " الْمُوَطَّأِ " عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدٍ مُرْسَلًا. وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَاذَا يُبَاعِدُنِي مِنْ غَضَبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: لَا تَغْضَبْ» . وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ: فَفَكَّرْتُ فِيمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا الْغَضَبُ يَجْمَعُ الشَّرَّ كُلَّهُ يَشْهَدُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْغَضَبَ جِمَاعُ الشَّرِّ، قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: الْغَضَبُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ. وَقِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: اجْمَعْ لَنَا حُسْنَ الْخُلُقِ فِي كَلِمَةٍ، قَالَ: تَرْكُ الْغَضَبِ. وَكَذَا فَسَّرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ حُسْنَ الْخُلُقِ بِتَرْكِ الْغَضَبِ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا، خَرَّجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِ " الصَّلَاةِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: " حُسْنُ الْخُلُقِ " ثُمَّ أَتَاهُ عَنْ يَمِينِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ فَقَالَ: " حُسْنُ الْخُلُقِ "، ثُمَّ أَتَاهُ عَنْ شِمَالِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: حُسْنُ الْخُلُقِ ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ بَعْدِهِ، يَعْنِي: مِنْ خَلْفِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَالَكَ لَا تَفْقَهُ! حُسْنُ الْخُلُقِ هُوَ أَنْ لَا تَغْضَبَ إِنِ اسْتَطَعْتَ» . وَهَذَا مُرْسَلٌ. فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنِ اسْتَوْصَاهُ: لَا تَغْضَبْ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْأَمْرَ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي تُوجِبُ حُسْنَ الْخُلُقِ مِنَ الْكَرَمِ وَالسَّخَاءِ وَالْحِلْمِ وَالْحَيَاءِ وَالتَّوَاضُعِ وَالِاحْتِمَالِ وَكَفِّ الْأَذَى، وَالصَّفْحِ وَالْعَفْوِ، وَكَظْمِ الْغَيْظِ، وَالطَّلَاقَةِ وَالْبِشْرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ، فَإِنَّ النَّفْسَ إِذَا تَخَلَّقَتْ بِهَذِهِ الْأَخْلَاقِ، وَصَارَتْ لَهَا عَادَةً أَوْجَبَ لَهَا ذَلِكَ دَفْعَ الْغَضَبِ عِنْدَ حُصُولِ أَسْبَابِهِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَا تَعْمَلْ بِمُقْتَضَى الْغَضَبِ إِذَا حَصَلَ لَكَ، بَلْ جَاهِدْ نَفْسَكَ عَلَى تَرْكِ تَنْفِيذِهِ وَالْعَمَلِ بِمَا يَأْمُرُ بِهِ، فَإِنَّ الْغَضَبَ إِذَا مَلَكَ ابْنَ آدَمَ كَانَ الْآمِرَ وَالنَّاهِيَ لَهُ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} [الأعراف: 154] [الْأَعْرَافِ: 154] فَإِذَا لَمْ يَمْتَثِلِ الْإِنْسَانُ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ غَضَبُهُ، وَجَاهَدَ نَفْسَهُ عَلَى ذَلِكَ، انْدَفَعَ عَنْهُ شَرُّ الْغَضَبِ، وَرُبَّمَا سَكَنَ غَضَبُهُ، وَذَهَبَ عَاجِلًا، فَكَأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَغْضَبْ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى وَقَعَتِ الْإِشَارَةُ فِي الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37] [الشُّورَى: 37] ، وَبِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] [آلِ عِمْرَانَ: 134] .

وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ مَنْ غَضِبَ بِتَعَاطِي أَسْبَابٍ تَدْفَعُ عَنْهُ الْغَضَبَ، وَتُسَكِّنُهُ، وَيَمْدَحُ مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ عِنْدَ غَضَبِهِ فَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدَ قَالَ: «اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا، لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ» . وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: «أَلَّا إِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، أَفَمَا رَأَيْتُمْ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ، وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ، فَمَنْ أَحَسَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَلْزَقْ بِالْأَرْضِ» . وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ، فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ» . وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى فِي هَذَا أَنَّ الْقَائِمَ مُتَهَيِّئٌ، لِلِانْتِقَامِ، وَالْجَالِسُ دُونَهُ فِي ذَلِكَ، وَالْمُضْطَجِعُ أَبْعَدُ عَنْهُ، فَأَمَرَهُ بِالتَّبَاعُدِ عَنْ حَالَةِ الِانْتِقَامِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّهُ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ سِنَانِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «الْغَضَبُ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ الْإِنْسَانِ تَوَقَّدُ أَلَا تَرَى إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ، فَإِذَا أَحَسَّ أَحَدُكُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَلْيَجْلِسْ، وَلَا يَعْدُوَنَّهُ الْغَضَبُ» ". وَالْمُرَادُ: أَنَّهُ يَحْبِسُهُ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يُعَدِّيهِ إِلَى غَيْرِهِ بِالْأَذَى بِالْفِعْلِ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِتَنِ: " «إِنَّ الْمُضْطَجِعَ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَاعِدِ، وَالْقَاعِدَ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمَ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي» " وَإِنْ
كَانَ هَذَا عَلَى وَجْهِ ضَرْبِ الْمِثَالِ فِي الْإِسْرَاعِ فِي الْفِتَنِ، إِلَّا أَنَّ الْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْإِسْرَاعِ فِيهَا، فَهُوَ شَرٌّ مِمَّنْ كَانَ أَبْعَدَ عَنْ ذَلِكَ. وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَسْكُتْ، قَالَهَا ثَلَاثًا» . وَهَذَا أَيْضًا دَوَاءٌ عَظِيمٌ لِلْغَضَبِ، لِأَنَّ الْغَضْبَانَ يَصْدُرُ مِنْهُ فِي حَالِ غَضَبِهِ مِنَ الْقَوْلِ مَا يَنْدَمُ عَلَيْهِ فِي حَالِ زَوَالِ غَضَبِهِ كَثِيرًا مِنَ السِّبَابِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَعْظُمُ ضَرَرُهُ، فَإِذَا سَكَتَ زَالَ هَذَا الشَّرُّ كُلُّهُ عَنْهُ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَا امْتَلَأْتُ غَيْظًا قَطُّ وَلَا تَكَلَّمْتُ فِي غَضَبٍ قَطُّ بِمَا أَنْدَمُ عَلَيْهِ إِذَا رَضِيتُ. وَغَضِبَ يَوْمًا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: أَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ مَا أَعْطَاكَ اللَّهُ وَفَضَّلَكَ بِهِ تَغْضَبُ هَذَا الْغَضَبَ؟ فَقَالَ لَهُ: أَوَمَا تَغْضَبُ يَا عَبْدَ الْمَلِكِ؟ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَمَا يُغْنِي عَنِّي سَعَةُ جَوْفِي إِذَا لَمْ أُرَدِّدْ فِيهِ الْغَضَبُ حَتَّى لَا يَظْهَرَ؟ فَهَؤُلَاءِ قَوْمٌ مَلَكُوا أَنْفُسَهُمْ عِنْدَ الْغَضَبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيِّ أَنَّهُ كَلَّمَهُ رَجُلٌ فَأَغْضَبَهُ، فَقَامَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي عَطِيَّةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَتَوَضَّأْ» ".
وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ أَنَّهُ كَلَّمَ مُعَاوِيَةَ بِشَيْءٍ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَغَضِبَ ثُمَّ نَزَلَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ، وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَالشَّيْطَانُ مِنَ النَّارِ، وَالْمَاءُ يُطْفِئُ النَّارَ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْتَسِلْ» . وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، وَإِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» . وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ؟ قُلْنَا: الَّذِي لَا تَصْرَعُهُ الرِّجَالُ، قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» . وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الْحُورِ شَاءَ» . وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا تَجَرَّعَ عَبْدٌ
جُرْعَةً أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ جُرْعَةِ غَيْظٍ يَكْظِمُهَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ جُرْعَةٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ جُرْعَةِ غَيْظٍ يَكْظِمُهَا عَبْدٌ، مَا كَظَمَ عَبْدٌ لِلَّهِ إِلَّا مَلَأَ اللَّهُ جَوْفَهُ إِيمَانًا» وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُدَ مَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: " «مَلَأَهُ اللَّهُ أَمْنًا وَإِيمَانًا» ". وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى سَلْمَانَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَوْصِنِي، قَالَ: لَا تَغْضَبْ، قَالَ أَمَرْتَنِي أَنْ لَا أَغْضَبَ وَإِنَّهُ لَيَغْشَانِي مَا لَا أَمْلِكُ، قَالَ: فَإِنْ غَضِبْتَ، فَامْلِكْ لِسَانَكَ وَيَدَكَ خَرَّجَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَمِلْكُ لِسَانِهِ وَيَدِهِ هُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِهِ لِمَنْ غَضِبَ أَنْ يَجْلِسَ، وَيَضْطَجِعَ وَبِأَمْرِهِ لَهُ أَنْ يَسْكُتَ. قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ عُصِمَ مِنَ الْهَوَى، وَالْغَضَبِ، وَالطَّمَعِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ عَصَمَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَحَرَّمَهُ عَلَى النَّارِ: مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ عِنْدَ الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ وَالشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ. وَهَذِهِ الْأَرْبَعُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْحَسَنُ هِيَ مَبْدَأُ الشَّرِّ كُلِّهِ، فَإِنَّ الرَّغْبَةَ فِي الشَّيْءِ هِيَ مَيْلُ النَّفْسِ إِلَيْهِ لِاعْتِقَادِ نَفْعِهِ، فَمَنْ حَصَلَ لَهُ رَغْبَةٌ فِي شَيْءٍ، حَمَلَتْهُ تِلْكَ الرَّغْبَةُ عَلَى طَلَبِ ذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَظُنُّهُ مُوَصِّلًا إِلَيْهِ؛ وَقَدْ يَكُونُ كَثِيرٌ مِنْهَا مُحَرَّمًا؛ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْمَرْغُوبُ فِيهِ مُحَرَّمًا. وَالرَّهْبَةُ: هِيَ الْخَوْفُ مِنَ الشَّيْءِ، وَإِذَا خَافَ الْإِنْسَانُ مِنْ شَيْءٍ تَسَبَّبَ فِي دَفْعِهِ عَنْهُ بِكُلِّ طَرِيقٍ يَظُنُّهُ دَافِعًا لَهُ، وَقَدْ يَكُونُ كَثِيرٌ مِنْهَا مُحَرَّمًا. وَالشَّهْوَةُ: هِيَ مَيْلُ النَّفْسِ إِلَى مَا يُلَائِمُهَا، وَتَلْتَذُّ بِهِ، وَقَدْ تَمِيلُ كَثِيرًا إِلَى مَا هُوَ مُحَرَّمٌ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَإِلَى الْكُفْرِ وَالسِّحْرِ وَالنِّفَاقِ وَالْبِدَعِ.

وَالْغَضَبُ: هُوَ غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ طَلَبًا لِدَفْعِ الْمُؤْذِي عِنْدَ خَشْيَةِ وُقُوعِهِ، أَوْ طَلَبًا لِلِانْتِقَامِ مِمَّنْ حَصَلَ لَهُ مِنْهُ الْأَذَى بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَيَنْشَأُ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ كَالْقَتْلِ وَالضَّرْبِ وَأَنْوَاعِ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ؛ وَكَثِيرٌ مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ كَالْقَذْفِ وَالسَّبِّ وَالْفُحْشِ، وَرُبَّمَا ارْتَقَى إِلَى دَرَجَةِ الْكُفْرِ، كَمَا جَرَى لِجَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ، وَكَالْأَيْمَانِ الَّتِي لَا يَجُوزُ الْتِزَامُهَا شَرْعًا، وَكَطَلَاقِ الزَّوْجَةِ الَّذِي يُعْقِبُ النَّدَمَ. وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ تَكُونَ شَهْوَتُهُ مَقْصُورَةً عَلَى طَلَبِ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ لَهُ، وَرُبَّمَا تَنَاوَلَهَا بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ، فَأُثِيبَ عَلَيْهَا، وَأَنْ يَكُونَ غَضَبُهُ دَفْعًا لِلْأَذَى فِي الدِّينِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَانْتِقَامًا مِمَّنْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ - وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} [التوبة: 14 - 15] [التَّوْبَةِ: 14 - 15] . وَهَذِهِ كَانَتْ حَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ إِذَا انْتُهِكَتْ
حُرُمَاتُ اللَّهِ لَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ وَلَمْ يَضْرِبْ بِيَدِهِ خَادِمًا وَلَا امْرَأَةً إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. «وَخَدَمَهُ أَنَسٌ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لَهُ: " أُفٍّ " قَطُّ، وَلَا قَالَ لَهُ لِشَيْءٍ فَعَلَهُ: " لِمَ فَعَلْتَ كَذَا "، وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ يَفْعَلْهُ: " أَلَا فَعَلْتَ كَذَا» وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا لَامَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «دَعُوهُ فَلَوْ قُضِيَ شَيْءٌ كَانَ» " وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ قَالَ أَنَسٌ: «خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا دَرَيْتُ شَيْئًا قَطُّ وَافَقَهُ، وَلَا شَيْئًا خَالَفَهُ رَضًى مِنَ اللَّهِ بِمَا كَانَ» . «وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ» ، تَعْنِي: أَنَّهُ تَأَدَّبَ بِآدَابِهِ، وَتَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِهِ، فَمَا مَدَحَهُ الْقُرْآنُ، كَانَ فِيهِ رِضَاهُ، وَمَا ذَمَّهُ الْقُرْآنُ، كَانَ فِيهِ سُخْطُهُ، وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ يَرْضَى لِرِضَاهُ وَيَسْخَطُ لِسُخْطِهِ» . وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِشِدَّةِ حَيَائِهِ لَا يُوَاجِهُ أَحَدًا بِمَا يَكْرَهُ، بَلْ تَعْرِفُ الْكَرَاهَةَ فِي وَجْهِهِ، كَمَا فِي " الصَّحِيحِ " عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ، عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ» . وَلَمَّا بَلَّغَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ قَوْلَ الْقَائِلِ: «هَذِهِ قِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، شَقَّ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، وَغَضِبَ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ قَالَ: لَقَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ» . وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى، أَوْ سَمِعَ مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ، غَضِبَ لِذَلِكَ، وَقَالَ فِيهِ، وَلَمْ يَسْكُتْ، وَقَدْ «دَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ فَرَأَى سِتْرًا فِيهِ تَصَاوِيرُ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ وَهَتَكَهُ، وَقَالَ: إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ» . وَلَمَّا شُكِيَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ الَّذِي يُطِيلُ بِالنَّاسِ صِلَاتَهُ حَتَّى يَتَأَخَّرَ بَعْضُهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ مَعَهُ، غَضِبَ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، وَوَعَظَ النَّاسَ، وَأَمَرَ بِالتَّخْفِيفِ. «وَلَمَّا رَأَى النُّخَامَةَ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، تَغَيَّظَ، وَحَكَّهَا، وَقَالَ: إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ اللَّهَ حِيَالَ وَجْهِهِ، فَلَا يَتَنَخَّمَنَ حِيَالَ وَجْهِهِ فِي الصَّلَاةِ» .
وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «أَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا» " وَهَذَا عَزِيزٌ جِدًّا، وَهُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقُولُ سِوَى الْحَقِّ سَوَاءً غَضِبَ أَوْ رَضِيَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ إِذَا غَضِبَ لَا يَتَوَقَّفُ فِيمَا يَقُولُ. وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْإِيمَانِ: مَنْ إِذَا غَضِبَ لَمْ يُدْخِلْهُ غَضَبُهُ فِي بَاطِلٍ، وَمَنْ إِذَا رَضِيَ، لَمْ يُخْرِجْهُ رِضَاهُ مِنْ حَقٍّ، وَمَنْ إِذَا قَدَرَ، لَمْ يَتَعَاطَ مَا لَيْسَ لَهُ» ". وَقَدْ رُوِيَ «عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ رَجُلَيْنِ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَنَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَابِدًا، وَكَانَ الْآخَرُ مُسْرِفًا عَلَى نَفْسِهِ، وَكَانَ الْعَابِدُ يَعِظُهُ، فَلَا يَنْتَهِي، فَرَآهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ اسْتَعْظَمَهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ، فَغَفَرَ لِلْمُذْنِبِ، وَأَحْبَطَ عَمَلَ الْعَابِدِ» . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَقَدْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ، فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَذِّرُ النَّاسَ أَنَّ يَقُولُوا مِثْلَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي غَضَبٍ وَقَدْ خَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، فَهَذَا غَضِبَ لِلَّهِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ فِي حَالِ غَضَبِهِ لِلَّهِ بِمَا لَا يَجُوزُ، وَحَتَّمَ عَلَى اللَّهِ بِمَا لَا يَعْلَمُ، فَأَحْبَطَ اللَّهُ عَمَلَهُ، فَكَيْفَ بِمَنْ تَكَلَّمَ فِي غَضَبِهِ لِنَفْسِهِ، وَمُتَابَعَةِ هَوَاهُ بِمَا لَا يَجُوزُ. وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " «عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَامْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ، فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: خُذُوا مَتَاعَهَا وَدَعُوهَا» . وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاضِحٍ لَهُ، فَتَلَّدَنَ عَلَيْهِ بَعْضَ التَّلَدُّنِ، فَقَالَ لَهُ: سِرْ، لَعَنَكَ اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْزِلْ عَنْهُ، فَلَا تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ، لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءً، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ» . فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ دُعَاءَ الْغَضْبَانِ قَدْ يُجَابُ إِذَا صَادَفَ سَاعَةَ إِجَابَةٍ، وَأَنَّهُ يُنْهَى عَنِ الدُّعَاءِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ فِي الْغَضَبِ. وَأَمَّا مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: 11] [يُونُسَ: 11] ، قَالَ: هُوَ الْوَاصِلُ لِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ إِذَا غَضِبَ عَلَيْهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُبَارِكْ فِيهِ، اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، يَقُولُ: لَوْ عُجِّلَ لَهُ ذَلِكَ، لَأَهْلَكَ مَنْ دَعَا عَلَيْهِ، فَأَمَاتَهُ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَجَابُ جَمِيعُ مَا يَدْعُو بِهِ الْغَضْبَانُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَالْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُسْتَجَابُ لِمُصَادَفَتِهِ سَاعَةَ إِجَابَةٍ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ: ثَلَاثَةٌ لَا يُلَامُونَ عَلَى غَضَبٍ: الصَّائِمُ وَالْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ، وَعَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: يُوحِي اللَّهُ إِلَى الْحَافِظَيْنِ اللَّذَيْنِ مَعَ ابْنِ آدَمَ: لَا تَكْتُبَا عَلَى عَبْدِي فِي ضَجَرِهِ شَيْئًا، وَعَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: إِنَّ الْمَرِيضَ إِذَا جَزِعَ فَأَذْنَبَ، قَالَ الْمَلَكُ الَّذِي عَلَى الْيَمِينِ لِلْمَلَكِ الَّذِي عَلَى الشِّمَالِ: لَا تَكْتُبْ، خَرَّجَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، فَهَذَا كُلُّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ صَحِيحٌ مِنَ الشَّرْعِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ قَبْلُ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ.

وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا غَضِبْتَ فَاسْكُتْ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغَضْبَانَ مُكَلَّفٌ فِي حَالِ غَضَبِهِ بِالسُّكُوتِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مُؤَاخَذًا بِالْكَلَامِ، وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ مَنْ غَضِبَ أَنْ يَتَلَافَى غَضَبَهُ بِمَا يُسَكِّنُهُ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ، وَهَذَا هُوَ عَيْنُ التَّكْلِيفِ لَهُ بِقَطْعِ الْغَضَبِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فِي حَالِ غَضَبِهِ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهُ. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: مَا أَبْكَى الْعُلَمَاءَ بُكَاءٌ آخِرَ الْعُمُرِ مِنْ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا أَحَدُهُمْ فَتَهْدِمُ عُمُرَ خَمْسِينَ سَنَةً، أَوْ سِتِّينَ سَنَةً، أَوْ سَبْعِينَ سَنَةً، وَرُبَّ غَضْبَةٍ قَدْ أَقْحَمَتْ صَاحِبَهَا مُقْحَمًا مَا اسْتَقَالَهُ. خَرَّجَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا. ثُمَّ إِنَّ مَنْ قَالَ مِنَ السَّلَفِ: إِنَّ الْغَضْبَانَ إِذَا كَانَ سَبَبُ غَضَبِهِ مُبَاحًا، كَالْمَرَضِ، أَوِ السَّفَرِ، أَوْ طَاعَةً كَالصَّوْمِ، لَا يُلَامُ عَلَيْهِ إِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مِمَّا يَقَعُ مِنْهُ فِي حَالِ الْغَضَبِ كَثِيرًا مِنْ كَلَامٍ يُوجِبُ تَضَجُّرًا أَوْ سَبًّا وَنَحْوَهُ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ
الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا مُسْلِمٍ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً» . فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ كُفْرٍ، أَوْ رِدَّةٍ، أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ، أَوْ أَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا لَا يَشُكُّ مُسْلِمٌ أَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا أَنَّ الْغَضْبَانَ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ، وَكَذَلِكَ مَا يَقَعُ مِنَ الْغَضْبَانِ مِنْ طَلَاقٍ وَعِتَاقٍ، أَوْ يَمِينٍ، فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ كُلِّهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَفِي " مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ "، «عَنْ خُوَيْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ امْرَأَةِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهَا رَاجَعَتْ زَوْجَهَا، فَغَضِبَ، فَظَاهَرَ مِنْهَا وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ سَاءَ خُلُقُهُ وَضَجِرَ، وَأَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَتْ تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى مِنْ سُوءِ خُلُقِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الظِّهَارِ، وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ» فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَخَرَّجَهَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: «أَنْ خُوَيْلَةَ غَضِبَ زَوْجُهَا فَظَاهَرَ مِنْهَا، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ، وَقَالَتْ: إِنَّهُ لَمْ يُرِدِ الطَّلَاقَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَرَاكِ إِلَّا حَرُمْتِ عَلَيْهِ» ، وَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا، وَفِي آخِرِهَا، قَالَ: فَحَوَّلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ، فَجَعَلَهُ ظِهَارًا. فَهَذَا الرَّجُلُ ظَاهَرَ فِي حَالِ غَضَبِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى حِينَئِذٍ أَنَّ الظِّهَارَ طَلَاقٌ، وَقَدْ قَالَ: إِنَّهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، يَعْنِي: لَزِمَهُ الطَّلَاقُ، فَلَمَّا جَعَلَهُ اللَّهُ ظِهَارًا مُكَفَّرًا أَلْزَمَهُ بِالْكَفَّارَةِ، وَلَمْ يَلْغِهِ. وَرَوَى مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي ثَلَاثًا وَأَنَا غَضْبَانُ، فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحِلَّ لَكَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ، عَصَيْتَ رَبَّكَ وَحَرُمَتْ عَلَيْكَ امْرَأَتُكَ خَرَّجَهُ الْجَوْزَجَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.

وَخَرَّجَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي كِتَابِ " أَحْكَامِ الْقُرْآنِ " بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اللَّغْوُ فِي الْأَيْمَانِ مَا كَانَ فِي الْمِرَاءِ وَالْهَزْلِ وَالْمُزَاحَةِ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي لَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْقَلْبُ، وَأَيْمَانُ الْكَفَّارَةِ عَلَى كُلِّ يَمِينٍ حَلَفْتَ عَلَيْهَا عَلَى جِدٍّ مِنَ الْأَمْرِ فِي غَضَبٍ أَوْ غَيْرِهِ: لَتَفْعَلَنَّ أَوْ لَتَتْرُكَنَّ، فَذَلِكَ عَقْدُ الْأَيْمَانِ فِيهَا الْكَفَّارَةُ وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ وَهَذَا مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَرْوِيَّ عَنْهَا مَرْفُوعًا: " «لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ» " إِمَّا أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، أَوْ أَنَّ تَفْسِيرَهُ
بِالْغَضَبِ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَقَدْ صَحَّ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ أَفْتَوْا أَنَّ يَمِينَ الْغَضْبَانِ مُنْعَقِدَةٌ وَفِيهَا الْكَفَّارَةُ، وَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ، قَالَ الْحَسَنُ: طَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، وَهُوَ بِالْخِيَارِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ، فَإِنْ بِدَا لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا كَانَ أَمْلَكَ بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ غَضْبَانَ، فَفِي ثَلَاثِ حِيَضٍ، أَوْ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ مَا يُذْهِبُ غَضَبَهُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: لَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لِئَلَّا يَنْدَمَ أَحَدٌ فِي طَلَاقٍ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ. خَرَّجَهُ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ
وَقَدْ جَعَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْكِنَايَاتِ مَعَ الْغَضَبِ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ ظَاهِرًا؛ وَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهَا مَعَ الْغَضَبِ بِغَيْرِ الطَّلَاقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْغَضَبَ مَعَ الْكِنَايَاتِ كَالنِّيَّةِ، فَأَوْقَعَ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ فِي الْبَاطِنِ أَيْضًا، فَكَيْفَ يَجْعَلُ الْغَضَبَ مَانِعًا مِنْ وُقُوعِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar

MUHASABATUN NAFS.

KOREKSI DIRI DAN ISTIQAMAH SETELAH RAMADHAN. Apakah kita yakin bahwa amal kita pasti diterima..?, kita hanya bisa berharap semoga Allah mene...