Senin, 10 April 2017

JAMIUL ULUM WAL HIKAM HADIS KE 10



[الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا]

الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51] (الْمُؤْمِنُونَ: 51) ، وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] (الْبَقَرَةِ: 172) ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ: أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هَذَا الْحَدِيثُ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَفُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ ثِقَةٌ وَسَطٌ خَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ دُونَ الْبُخَارِيِّ.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ» هَذَا قَدْ جَاءَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ» خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَالطَّيِّبُ هُنَا: مَعْنَاهُ الطَّاهِرُ.
وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُقَدَّسٌ مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ كُلِّهَا، وَهَذَا كَمَا فِي
قَوْلِهِ: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} [النور: 26] (النُّورِ: 26) ، وَالْمُرَادُ: الْمُنَزَّهُونَ مِنْ أَدْنَاسِ الْفَوَاحِشِ وَأَوْضَارِهَا.
وَقَوْلُهُ " لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا " قَدْ وَرَدَ مَعْنَاهُ فِي حَدِيثِ الصَّدَقَةِ، وَلَفْظُهُ: «لَا يَتَصَدَّقُ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا طَيِّبًا. . . . . . .» وَالْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنَ الصَّدَقَاتِ إِلَّا مَا كَانَ طَيِّبًا حَلَالًا.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي نَتَكَلَّمُ فِيهِ الْآنَ بِقَوْلِهِ: " «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا طَيِّبًا» " أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْأَعْمَالِ إِلَّا مَا كَانَ طَيِّبًا طَاهِرًا مِنَ الْمُفْسِدَاتِ كُلِّهَا، كَالرِّيَاءِ وَالْعُجْبِ، وَلَا مِنَ الْأَمْوَالِ إِلَّا مَا كَانَ طَيِّبًا حَلَالًا، فَإِنَّ الطَّيِّبَ يُوصَفُ بِهِ الْأَعْمَالُ وَالْأَقْوَالُ وَالِاعْتِقَادَاتُ، فَكُلُّ هَذِهِ تَنْقَسِمُ إِلَى طِيِّبٍ وَخَبِيثٍ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} [المائدة: 100] (الْمَائِدَةِ: 100) هَذَا كُلُّهُ.
وَقَدْ قَسَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَلَامَ إِلَى طَيِّبٍ وَخَبِيثٍ، فَقَالَ: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} [إبراهيم: 24] (إِبْرَاهِيمَ: 24) ، {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} [إبراهيم: 26] (إِبْرَاهِيمَ: 26) ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] (فَاطِرٍ: 10) ، وَوَصَفَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ يُحِلُّ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ الْخَبَائِثَ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْأَقْوَالُ وَالْأَعْمَالُ وَالِاعْتِقَادَاتُ أَيْضًا، وَوَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ بِالطَّيِّبِ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ} [النحل: 32] (النَّحْلِ: 32) وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ عِنْدَ الْمَوْتِ: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ، يَقُولُونَ

لَهَمْ: طِبْتُمْ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا زَارَ أَخَاهُ فِي اللَّهِ تَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: " طِبْتَ، وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا» ".
فَالْمُؤْمِنُ كُلُّهُ طَيِّبٌ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ وَجَسَدُهُ بِمَا سَكَنَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَظَهَرَ عَلَى لِسَانِهِ مِنَ الذِّكْرِ، وَعَلَى جَوَارِحِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي هِيَ ثَمَرَةُ الْإِيمَانِ، وَدَاخِلَةٌ فِي اسْمِهِ فَهَذِهِ الطَّيِّبَاتُ كُلُّهَا يَقْبَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَحْصُلُ بِهِ طِيبَةُ الْأَعْمَالِ لِلْمُؤْمِنِ طِيبُ مَطْعَمِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ حَلَالٍ، فَبِذَلِكَ يَزْكُو عَمَلُهُ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْعَمَلَ وَلَا يَزْكُو إِلَّا بِأَكْلِ الْحَلَالِ، وَإِنَّ أَكْلَ الْحَرَامِ، يُفْسِدُ الْعَمَلَ، وَيَمْنَعُ قَبُولَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ تَقْرِيرِهِ: " «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا» " إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51] وَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] .
وَالْمُرَادُ بِهَذَا أَنَّ الرُّسُلَ وَأُمَمَهُمْ مَأْمُورُونَ بِالْأَكْلِ مِنَ الطَّيِّبَاتِ الَّتِي هِيَ الْحَلَالُ، وَبِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَمَا دَامَ الْأَكْلُ حَلَالًا، فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ مَقْبُولٌ، فَإِذَا كَانَ الْأَكْلُ غَيْرَ حَلَالٍ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْعَمَلُ مَقْبُولًا؟ .
وَمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الدُّعَاءِ، وَأَنَّهُ كَيْفَ يُتَقَبَّلُ مَعَ الْحَرَامِ، فَهُوَ مِثَالٌ لِاسْتِبْعَادِ قَبُولِ الْأَعْمَالِ مَعَ التَّغْذِيَةِ بِالْحَرَامِ. وَقَدْ خَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ نَظَرٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «تُلِيَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168] (الْبَقَرَةِ: 168) ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا سَعْدُ
أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْهُ عَمَلَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ سُحْتٍ، فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» .
وَفِي " مُسْنَدِ " الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا «عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " مَنِ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي ثَمَنِهِ دِرْهَمٌ حَرَامٌ، لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً مَا كَانَ عَلَيْهِ "، ثُمَّ أَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ فَقَالَ: صُمَّتَا إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . وَيُرْوَى مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَعْنَاهُ أَيْضًا، خَرَّجَهُ الْبَزَّارُ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ جِدًّا.
وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ حَاجًّا بِنَفَقَةٍ طَيِّبَةٍ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ، فَنَادَى: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَزَادُكَ حَلَالٌ، وَرَاحِلَتُكَ حَلَالٌ، وَحَجُّكَ مَبْرُورٌ غَيْرُ مَأْزُورٍ، وَإِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ بِالنَّفَقَةِ الْخَبِيثَةِ، فَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي
الْغَرْزِ، فَنَادَى لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: لَا لَبَّيْكَ وَلَا سَعْدَيْكَ، زَادُكَ حَرَامٌ، وَنَفَقَتُكَ حَرَامٌ، وَحَجُّكَ غَيْرُ مَبْرُورٍ» ". وَيُرْوَى مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بِنَحْوِهِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ أَيْضًا.
وَرَوَى أَبُو يَحْيَى الْقَتَّاتُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ امْرِئٍ فِي جَوْفِهِ حَرَامٌ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حَجِّ مَنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ، وَمَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ حَرَامٍ، هَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ بِذَلِكَ، وَفِيهِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ، وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُتَقَبَّلُ الْعَمَلُ مَعَ مُبَاشَرَةِ الْحَرَامِ، لَكِنَّ الْقَبُولَ قَدْ يُرَادُ بِهِ الرِّضَا بِالْعَمَلِ، وَمَدْحُ فَاعِلِهِ، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْمُبَاهَاةُ بِهِ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ حُصُولُ الثَّوَابِ وَالْأَجْرِ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ سُقُوطُ الْفَرْضِ بِهِ مِنَ الذِّمَّةِ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ هَاهُنَا الْقَبُولُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَوِ الثَّانِي، لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ سُقُوطِ الْفَرْضِ بِهِ مِنَ الذِّمَّةِ، كَمَا وَرَدَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ الْآبِقِ، وَلَا الْمَرْأَةُ الَّتِي زَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَلَا مَنْ أَتَى كَاهِنًا، وَلَا مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَالْمُرَادُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - نَفْيُ الْقَبُولِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَوِ الثَّانِي، وَهُوَ الْمُرَادُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] (الْمَائِدَةِ: 27) . وَلِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَشْتَدُّ مِنْهَا خَوْفُ السَّلَفِ عَلَى نُفُوسِهِمْ، فَخَافُوا أَنْ لَا يَكُونُوا مِنَ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُتَقَبَّلُ مِنْهُمْ.
وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ مَعْنَى " الْمُتَّقِينَ " فِيهَا، فَقَالَ: يَتَّقِي الْأَشْيَاءَ، فَلَا يَقَعُ فِيمَا لَا يَحِلُّ لَهُ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النِّبَاجِيُّ الزَّاهِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: خَمْسُ خِصَالٍ بِهَا تَمَامُ الْعَمَلِ:
الْإِيمَانُ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَعْرِفَةُ الْحَقِّ، وَإِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَالْعَمَلُ عَلَى السُّنَّةِ، وَأَكْلُ الْحَلَالِ، فَإِنْ فَقَدْتَ وَاحِدَةً، لَمْ يَرْتَفِعِ الْعَمَلُ، وَذَلِكَ أَنَّكَ إِذَا عَرَفْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ تَعْرِفِ الْحَقَّ، لَمْ تَنْتَفِعْ، وَإِذَا عَرَفْتَ الْحَقَّ، وَلَمْ تَعْرِفِ اللَّهَ، لَمْ تَنْتَفِعْ، وَإِنْ عَرَفْتَ اللَّهَ، وَعَرَفْتَ الْحَقَّ، وَلَمْ تُخْلِصِ الْعَمَلَ، لَمْ تَنْتَفِعْ، وَإِنْ عَرَفْتَ اللَّهَ، وَعَرَفْتَ الْحَقَّ، وَأَخْلَصْتَ الْعَمَلَ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى السُّنَّةِ، لَمْ تَنْتَفِعْ، وَإِنْ تَمَّتِ الْأَرْبَعُ، وَلَمْ يَكُنِ الْأَكْلُ مِنْ حَلَالٍ لَمْ تَنْتَفِعْ.
وَقَالَ وَهْبُ بْنُ الْوَرْدِ: لَوْ قُمْتَ مَقَامَ هَذِهِ السَّارِيَةِ لَمْ يَنْفَعْكَ شَيْءٌ حَتَّى تَنْظُرَ مَا يَدْخُلُ بَطْنَكَ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ.

وَأَمَّا الصَّدَقَةُ بِالْمَالِ الْحَرَامِ، فَغَيْرُ مَقْبُولَةٍ كَمَا فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ، وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ» .
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ مَا تَصَدَّقَ عَبْدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ - وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ - إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَفِي " مُسْنَدِ " الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَكْتَسِبُ عَبْدٌ مَالًا مِنْ حَرَامٍ، فَيُنْفِقُ مِنْهُ، فَيُبَارَكُ فِيهِ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ، فَيُتَقَبَّلُ مِنْهُ، وَلَا يَتْرُكُهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِلَّا كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ، وَلَكِنْ
يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ، إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يَمْحُو الْخَبِيثَ» .
وَيُرْوَى مِنْ حَدِيثِ دَرَّاجٍ عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَسَبَ مَالًا حَرَامًا، فَتَصَدَّقَ بِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ، وَكَانَ إِصْرُهُ عَلَيْهِ» .
خَرَّجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحِهِ " وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَفِي مَرَاسِيلِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ أَصَابَ مَالًا مِنْ مَأْثَمٍ، فَوَصَلَ بِهِ رَحِمَهُ، وَتَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ أَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، جُمِعَ ذَلِكَ جَمِيعًا، ثُمَّ قُذِفَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» ".
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَيَزِيدَ بْنِ مَيْسَرَةَ أَنَّهُمَا جَعَلَا مَثَلَ مَنْ أَصَابَ مَالًا مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ، فَتَصَدَّقَ بِهِ مَثَلَ مَنْ أَخَذَ مَالَ يَتِيمٍ، وَكَسَا بِهِ أَرْمَلَةً.
وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَمَّنْ كَانَ عَلَى عَمَلٍ، فَكَانَ يَظْلِمُ وَيَأْخُذُ الْحَرَامَ، ثُمَّ تَابَ، فَهُوَ يَحُجُّ وَيُعْتِقُ وَيَتَصَدَّقُ مِنْهُ، فَقَالَ: إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يُكَفِّرُ الْخَبِيثَ وَكَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يُكَفِّرُ الْخَبِيثَ، وَلَكِنَّ الطَّيِّبَ يُكَفِّرُ الْخَبِيثَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: أَيُّهَا الْمُتَصَدِّقُ عَلَى الْمِسْكِينِ يَرْحَمُهُ، ارْحَمْ مَنْ قَدْ ظَلَمْتَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّدَقَةَ بِالْمَالِ الْحَرَامِ تَقَعُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ الْخَائِنُ أَوِ الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُمَا، عَنْ نَفْسِهِ، فَهَذَا هُوَ
الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ لَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ: بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ، بَلْ يَأْثَمُ بِتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَا يَحَصُلُ لِلْمَالِكِ بِذَلِكَ أَجْرٌ، لِعَدَمِ قَصْدِهِ وَنِيَّتِهِ، كَذَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمُ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَفِي كِتَابِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ الْأَخْنَسِ الْخُزَاعِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: وَجَدْتُ لُقَطَةً، أَفَأَتَصَدَّقُ بِهَا، قَالَ: لَا تُؤْجَرُ أَنْتَ وَلَا صَاحِبُهَا وَلَعَلَّ مُرَادَهُ إِذَا تَصَدَّقَ بِهَا قَبْلَ تَعْرِيفِهَا الْوَاجِبِ. وَلَوْ أَخَذَ السُّلْطَانُ، أَوْ بَعْضُ نُوَّابِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَالًا يَسْتَحِقُّهُ، فَتَصَدَّقَ مِنْهُ أَوْ أَعْتَقَ، أَوْ بَنَى بِهِ مَسْجِدًا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ، فَالْمَنْقُولُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَالْغَاصِبِ إِذَا تَصَدَّقَ بِمَا غَصَبَهُ، كَذَلِكَ قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ أَمِيرِ الْبَصْرَةِ، وَكَانَ النَّاسُ قَدِ اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ فِي حَالِ مَوْتِهِ وَهُمْ يُثْنُونَ عَلَيْهِ بِبِرِّهِ وَإِحْسَانِهِ، وَابْنُ عُمَرَ سَاكِتٌ، فَطُلِبَ مِنْهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ، فَرَوَى لَهُ حَدِيثَ " «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ» "، ثُمَّ قَالَ لَهُ: وَكُنْتَ عَلَى الْبَصْرَةِ.
وَقَالَ أَسَدُ بْنُ مُوسَى فِي " كِتَابِ الْوَرَعِ ": حَدِيثُ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ مَسْلَمَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَامِرٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَرَأَيْتَ هَذَا الْعِقَابَ الَّتِي نُسَهِّلُهَا، وَالْعُيُونَ الَّتِي نُفَجِّرُهَا، أَلْنَا فِيهَا أَجْرٌ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ خَبِيثًا لَا يُكَفِّرُ خَبِيثًا قَطُّ؟ .
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي مَلِيحٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ لِابْنِ عَامِرٍ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنِ الْعِتْقِ: فَقَالَ مَثَلُكَ مَثَلُ رَجُلٍ سَرَقَ إِبِلَ حَاجٍّ، ثُمَّ جَاهَدَ بِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَانْظُرْ هَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ؟ .
وَقَدْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّشْدِيدِ فِي الْوَرَعِ كَطَاوُسٍ وَوُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ
يَتَوَقَّوْنَ الِانْتِفَاعَ بِمَا أَحْدَثَهُ مِثْلُ هَؤُلَاءِ الْمُلُوكِ، وَأَمَّا الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَإِنَّهُ رَخَّصَ فِيمَا فَعَلُوهُ مِنَ الْمَنَافِعِ الْعَامَّةِ، كَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْمَصَانِعِ، فَإِنَّ هَذِهِ يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ الْفَيْءِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّهُمْ فَعَلُوا أَشْيَاءَ مِنْ ذَلِكَ بِمَالٍ حَرَامٍ كَالْمُكُوسِ وَالْغُصُوبِ وَنَحْوِهَا، فَحِينَئَذٍ يَتَوَقَّى الِانْتِفَاعَ بِمَا عُمِلَ بِالْمَالِ الْحَرَامِ، وَلَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ إِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ أَخْذَهُمْ لِأَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنْفُسِهِمْ، وَدَعْوَاهُمْ أَنَّ مَا فَعَلُوهُ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَهُوَ صَدَقَةٌ مِنْهُمْ، فَإِنَّ هَذَا شَبِيهٌ بِالْغُصُوبِ، وَعَلَى مِثْلِ هَذَا يُحْمَلُ إِنْكَارُ مَنْ أَنْكَرَ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْمُلُوكِ بُنْيَانَ الْمَسَاجِدِ.
قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ: رَأَيْتُ بَعْضَ الْمُتَقَدِّمِينَ سُئِلَ عَمَّنْ كَسَبَ حَلَالًا وَحَرَامًا مِنَ السَّلَاطِينِ وَالْأُمَرَاءِ، ثُمَّ بَنَى الْأَرْبِطَةَ وَالْمَسَاجِدَ: هَلْ لَهُ ثَوَابٌ؟ فَأَفْتَى بِمَا يُوجِبُ طِيبَ قَلْبِ الْمُنْفِقِ، وَأَنَّ لَهُ فِي إِيقَافِ مَا لَا يَمْلِكُهُ نَوْعُ سَمْسَرَةٍ، لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَعْيَانَ الْمَغْصُوبِينَ، فَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ. قَالَ: فَقُلْتُ وَاعَجَبًا مِنْ مُتَصَدِّرِينَ لِلْفَتْوَى لَا يَعْرِفُونَ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ، يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي حَالِ هَذَا الْمُنْفِقِ أَوَّلًا، فَإِنْ كَانَ سُلْطَانًا، فَمَا يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَقَدْ عَرَفْتَ وُجُوهَ مَصَارِفِهِ، فَكَيْفَ يَمْنَعُ مُسْتَحِقِّيهِ، وَيَشْغَلُهُ بِمَا لَا يُفِيدُ مِنْ بِنَاءِ مَدْرَسَةٍ أَوْ رِبَاطٍ؟ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَنُوَّابِ السَّلَاطِينِ، فَيَجِبُ أَنْ يَرُدَّ مَا يَجِبُ رَدُّهُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا أَوْ غَصْبًا، فَكُلُّ شَيْءٍ تَصَرَّفَ فِيهِ حَرَامٌ، وَالْوَاجِبُ رَدُّهُ عَلَى مَنْ أُخِذَ مِنْهُ، أَوْ وَرَثَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ رَدَّهُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ أَوْ فِي الصَّدَقَةِ، وَلَمْ يَحْظَ آخِذُهُ بِغَيْرِ الْإِثْمِ. انْتَهَى.
وَإِنَّمَا كَلَامُهُ فِي السَّلَاطِينِ الَّذِينَ عَهِدَهُمْ فِي وَقْتِهِ الَّذِينَ يَمْنَعُونَ الْمُسْتَحِقِّينَ مِنَ الْفَيْءِ حُقُوقَهُمْ، وَيَتَصَرَّفُونَ فِيهِ لِأَنْفُسِهِمْ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ بِبِنَاءِ مَا يَنْسُبُونَهُ إِلَيْهِمْ مِنَ مَدَارِسَ وَأَرْبِطَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا قَدْ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَيَخُصُّ بِهِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ، فَأَمَّا لَوْ فَرَضَ إِمَامٌ عَادِلٌ يُعْطِي النَّاسَ حُقُوقَهُمْ مِنَ الْفَيْءِ، ثُمَّ يَبْنِي لَهُم
مِنْهُ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ مَسْجِدٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ، أَوْ مَارِسْتَانَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا، وَلَوْ كَانَ بَعْضُ مَنْ يَأْخُذُ الْمَالَ لِنَفْسِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بَنَى بِمَا أَخَذَ مِنْهُ بِنَاءً مُحْتَاجًا إِلَيْهِ فِي حَالٍ، يَجُوزُ الْبِنَاءُ فِيهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لَكِنَّهُ يَنْسُبُهُ إِلَى نَفْسِهِ، فَقَدْ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْغَاصِبِ إِذَا رَدَّ الْمَالَ إِلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ هَلْ يَبْرَأُ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا بَنَى عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا زَخْرَفَةٍ. وَقَدْ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِتَرْمِيمِ مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَنَهَاهُمْ أَنْ يَتَجَاوَزُوا مَا تَصَدَّعَ مِنْهُ، وَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَجِدْ لِلْبُنْيَانِ فِي مَالِ اللَّهِ حَقًّا. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا حَاجَةَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيمَا أَضَرَّ بَيْتَ مَالِهِمْ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَعَلَ تَصَرُّفَ الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ مُوقَفًا عَلَى إِجَازَةِ مَالِكِهِ، فَإِنْ أَجَازَ تَصَرُّفَهُ فِيهِ جَازَ، وَقَدْ حَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ مِنْ مَالٍ مَغْصُوبٍ، ثُمَّ أَجَازَهُ الْمَالِكُ، جَازَ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ خَرَّجَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إِذَا أَعْتَقَ عَبْدَ غَيْرِهِ عَنْ نَفْسِهِ مُلْتَزِمًا ضَمَانَهُ فِي مَالِهِ، ثُمَّ أَجَازَهُ الْمَالِكُ جَازَ، وَنُفِّذَ عِتْقُهُ، وَهُوَ خِلَافُ نَصِّ أَحْمَدَ. وَحُكِيَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ شَاةً، فَذَبَحَهَا لِمُتْعَتِهِ وَقِرَانِهِ، ثُمَّ أَجَازَهَا الْمَالِكُ أَجَزَأَتْ عَنْهُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ فِي الْمَالِ الْمَغْصُوبِ: أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَنْ صَاحِبِهِ إِذَا عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى وَرَثَتِهِ، فَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ذَهَبَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ إِلَى أَنَّ الْغَالَّ إِذَا تَفَرَّقَ أَهْلُ الْعَسْكَرِ وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِمْ أَنَّهُ يَدْفَعُ إِلَى الْإِمَامِ خُمُسَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُبَادَةَ بْن
الصَّامِتِ وَمُعَاوِيَةَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَهُوَ يُشْبِهُ مَذْهَبَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَرَيَانِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْمَالِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ صَاحِبُهُ، قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعُوا فِي اللُّقَطَةِ عَلَى جَوَازِ الصَّدَقَةِ بِهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَانْقِطَاعِ صَاحِبِهَا، وَجَعَلُوهُ إِذَا جَاءَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْأَجْرِ وَالضَّمَانِ، وَكَذَلِكَ الْغُصُوبُ انْتَهَى.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ عَمَّنْ عِنْدَهُ مَالٌ حَرَامٌ، وَلَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهُ، وَيُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنْهُ؟ قَالَ: يَتَصَدَّقُ بِهِ وَلَا أَقُولُ: إِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْهُ. قَالَ مَالِكٌ: كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ عَطَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ وَزْنِهِ ذَهَبًا.
وَقَالَ سُفْيَانُ فِيمَنِ اشْتَرَى مِنْ قَوْمٍ شَيْئًا مَغْصُوبًا: يَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمْ، تَصَدَّقَ بِهِ كُلِّهُ، وَلَا يَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ، وَكَذَا قَالَ فِيمَنْ بَاعَ شَيْئًا مِمَّنْ تُكْرَهُ مُعَامَلَتُهُ لِشُبْهَةِ مَالِهِ، قَالَ: يَتَصَدَّقُ بِالثَّمَنِ، وَخَالَفَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَقَالَ: يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ خَاصَّةً وَقَالَ أَحْمَدُ: يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ.
وَكَذَا قَالَ فِيمَنْ وَرِثَ مَالًا مِنْ أَبِيهِ، وَكَانَ أَبُوهُ يَبِيعُ مِمَّنْ تُكْرَهُ مُعَامَلَتُهُ: أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ مِنْهُ بِمِقْدَارِ الرِّبْحِ، وَيَأْخُذُ الْبَاقِي. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ نَحْوُ ذَلِكَ: مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيُّ.
وَالْمَشْهُورُ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأَمْوَالِ الْحَرَامِ أَنَّهَا تُحْفَظُ، وَلَا يُتَصَدَّقُ بِهَا حَتَّى يَظْهَرَ مُسْتَحِقُّهَا.
وَكَانَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ يَرَى أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ مَالٌ حَرَامٌ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهُ، أَنَّهُ يُتْلِفُهُ، وَيُلْقِيهِ فِي الْبَحْرِ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ، وَقَالَ: لَا يَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا بِالطَّيِّبِ.
وَالصَّحِيحُ الصَّدَقَةُ بِهِ، لِأَنَّ إِتْلَافَ الْمَالِ وَإِضَاعَتَهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَإِرْصَادُهُ أَبَدًا تَعْرِيضٌ لَهُ لِلْإِتْلَافِ، وَاسْتِيلَاءُ الظَّلَمَةِ عَلَيْهِ، وَالصَّدَقَةُ بِهِ لَيْسَتْ عَنْ مُكْتَسِبِهِ
(1/)
حَتَّى يَكُونَ تَقَرُّبًا مِنْهُ بِالْخَبِيثِ، وَإِنَّمَا هِيَ صَدَقَةٌ عَنْ مَالِكِهِ، لِيَكُونَ نَفْعُهُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ حَيْثُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الدُّنْيَا.

وَقَوْلُهُ: «ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ !» .
هَذَا الْكَلَامُ أَشَارَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى آدَابِ الدُّعَاءِ، وَإِلَى الْأَسْبَابِ الَّتِي تَقْتَضِي إِجَابَتَهُ، وَإِلَى مَا يَمْنَعُ مِنْ إِجَابَتِهِ، فَذَكَرَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَقْتَضِي إِجَابَةَ الدُّعَاءِ أَرْبَعَةً: أَحَدُهَا: إِطَالَةُ السَّفَرِ، وَالسَّفَرُ بِمُجَرَّدِهِ يَقْتَضِي إِجَابَةَ الدُّعَاءِ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَعِنْدَهُ: " دَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ ".
وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ: " وَمَتَى طَالَ السَّفَرُ، كَانَ أَقْرَبَ إِلَى إِجَابَةِ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ حُصُولِ انْكِسَارِ النَّفْسِ بِطُولِ الْغُرْبَةِ عَنِ الْأَوْطَانِ، وَتَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ، وَالِانْكِسَارِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ.
وَالثَّانِي: حُصُولُ التَّبَذُّلِ فِي اللِّبَاسِ وَالْهَيْئَةِ بِالشَّعَثِ وَالِاغْبِرَارِ، وَهُوَ - أَيْضًا - مِنَ الْمُقْتَضِيَاتِ لِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رُبَّ
أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ، مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» . «وَلَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلِاسْتِسْقَاءِ، خَرَجَ مُتَبَذِّلًا مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا» . وَكَانَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَدْ حَبَسَ لَهُ ابْنَ أَخٍ، فَلَبِسَ خُلْقَانَ ثِيَابِهِ، وَأَخَذَ عُكَّازًا بِيَدِهِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: أَسْتَكِينُ لِرَبِّي، لَعَلَّهُ أَنْ يُشَفِّعَنِي فِي ابْنِ أَخِي.
الثَّالِثُ: مَدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَهُوَ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ الَّتِي يُرْجَى بِسَبَبِهَا إِجَابَتُهُ، وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ» خَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَرُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمَا.
«وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ حَتَّى يَرَى بَيَاضَ إِبِطَيْهِ» ، «وَرَفَعَ
يَدَيْهِ يَوْمَ بَدْرٍ يَسْتَنْصِرُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ، عَنْ مَنْكِبَيْهِ» .
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَةِ رَفْعِ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ أَنْوَاعٌ مُتَعَدِّدَةٌ، فَمِنْهَا أَنَّهُ كَانَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ فَقَطْ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَفَعَلَهُ لَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ دُعَاءَ الْقُنُوتِ فِي الصَّلَاةِ يُشِيرُ فِيهِ بِأُصْبُعِهِ، مِنْهُمُ الْأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: هَذَا هُوَ الْإِخْلَاصُ فِي الدُّعَاءِ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِذَا أَثْنَيْتَ عَلَى اللَّهِ، فَأَشِرْ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَجَعْلَ ظُهُورَهُمَا إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَهُوَ مُسْتَقْبِلُهَا، وَجَعَلَ بُطُونَهُمَا مِمَّا يَلِي وَجْهَهُ. وَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمُ الرَّفْعَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، مِنْهُمُ الْجَوْزَجَانِيُّ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الرَّفْعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَضَرُّعٌ.
وَمِنْهَا عَكْسُ ذَلِكَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ أَيْضًا، وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَدْعُونَ كَذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الرَّفْعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اسْتِجَارَةٌ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاسْتِعَاذَةٌ بِهِ، مِنْهُمُ: ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَرُوِيَ «عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا اسْتَعَاذَ رَفَعَ يَدَيْهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ» .
وَمِنْهَا رَفَعُ يَدَيْهِ، جَعَلَ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَظُهُورَهُمَا إِلَى الْأَرْضِ وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ فِي سُؤَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّ هَذَا هُوَ الدُّعَاءُ وَالسُّؤَالُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَمِنْهَا عَكْسُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَلْبُ كَفَّيْهِ وَجَعْلُ ظُهُورِهِمَا إِلَى السَّمَاءِ وَبَطْنِهِمَا مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ» . وَخَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَفْظُهُ: " «فَبَسَطَ يَدَيْهِ، وَجَعَلَ ظَاهِرَهُمَا مِمَّا يَلِي السَّمَاءَ» " وَخَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَفْظُهُ: اسْتَسْقَى هَكَذَا يَعْنِي: مَدَّ يَدَيْهِ، وَجَعَلَ بُطُونَهُمَا مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ. وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا بِعَرَفَةَ يَدْعُو هَكَذَا وَرَفَعَ يَدَيْهِ حِيَالَ ثُنْدُوَتِهِ، وَجَعَلَ بُطُونَ كَفَّيْهِ مِمَّا يَلِي
الْأَرْضَ» . وَهَكَذَا وَصَفَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ رَفْعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ بِعَرَفَةَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ هَذَا هُوَ الِاسْتِجَارَةُ. وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ: هَذَا هُوَ الِابْتِهَالُ.
وَالرَّابِعُ: الْإِلْحَاحُ عَلَى اللَّهِ بِتَكْرِيرِ ذِكْرِ رُبُوبِيَّتِهِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُطْلَبُ بِهِ إِجَابَةُ الدُّعَاءِ، وَخَرَّجَ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا قَالَ الْعَبْدُ: يَا رَبِّ أَرْبَعًا، قَالَ اللَّهُ: لَبَّيْكَ عَبْدِي، سَلْ تُعْطَهُ» ".
وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ خَارِجَةَ: أَنَّ «قَوْمًا شَكَوْا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُحُوطَ الْمَطَرِ، فَقَالَ: اجْثُوا عَلَى الرُّكَبِ، وَقُولُوا: يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَرَفَعَ السَّبَّابَةَ إِلَى السَّمَاءِ، فَسُقُوا حَتَّى أَحَبُّوا أَنْ يُكْشَفَ عَنْهُمْ» .
وَفِي " الْمُسْنَدِ " وَغَيْرِهِ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى، وَتَشَهُّدٌ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَتَضَرُّعٌ، وَتَخْشُّعٌ وَتَمَسْكُنٌ، وَتُقْنِعُ يَدَيْكَ - يَقُولُ: تَرْفَعُهُمَا إِلَى رَبِّكَ مُسْتَقْبِلًا بِهِمَا وَجْهَكَ - وَتَقُولُ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهِيَ خِدَاجٌ» ".
وَقَالَ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ عَنْ أَنَسٍ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، إِلَّا قَالَ لَهُ رَبُّهُ: " لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ ".
ثُمَّ رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ: اسْمُ اللَّهِ الْأَكْبَرُ رَبِّ رَبِّ.
وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: مَا قَالَ عَبْدٌ يَا رَبِّ يَا رَبِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، إِلَّا نَظَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلْحَسَنِ، فَقَالَ: أَمَا تَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ؟ ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ - رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ - رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ - رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ - فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ} [آل عمران: 191 - 195] (آلِ عِمْرَانَ: 191 - 195) .

وَمَنْ تَأَمَّلَ الْأَدْعِيَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْقُرْآنِ وَجَدَهَا غَالِبًا تُفْتَتَحُ بِاسْمِ الرَّبِّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] (الْبَقَرَةِ: 201) ، {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] (الْبَقَرَةِ: 286) ، وَقَوْلِهِ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] (آلِ عِمْرَانَ: 8) . وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ.
وَسُئِلَ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ عَمَّنْ يَقُولُ فِي الدُّعَاءِ: يَا سَيِّدِي، فَقَالَا: يَقُولُ: يَا رَبِّ. زَادَ مَالِكٌ: كَمَا قَالَتِ الْأَنْبِيَاءُ فِي دُعَائِهِمْ.
وَأَمَّا مَا يَمْنَعُ إِجَابَةَ الدُّعَاءِ، فَقَدْ أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنَّهُ التَّوَسُّعُ فِي الْحَرَامِ أَكْلًا
وَشُرْبًا وَلُبْسًا وَتَغْذِيَةً، وَقَدْ سَبَقَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا، وَأَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِسَعْدٍ: " أَطِبْ مَطْعَمَكَ، تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ» " فَأَكْلُ الْحَلَالِ وَشُرْبُهُ وَلُبْسُهُ وَالتَّغَذِّي بِهِ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ.
وَرَوَى عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا الْأَصْفَرُ، قَالَ: قِيلَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: تُسْتَجَابُ دَعْوَتُكَ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: مَا رَفَعْتُ إِلَى فَمِي لُقْمَةً إِلَّا وَأَنَا عَالِمٌ مِنْ أَيْنَ مَجِيئُهَا، وَمِنْ أَيْنَ خَرَجَتْ.
وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ دَعَوْتَهُ، فَلْيُطِبْ طُعْمَتَهُ.
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَنْ أَكَلَ الْحَلَالَ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا أُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ. وَعَنْ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ دُعَاءَ الْعَبْدِ يُحْبَسُ عَنِ السَّمَاوَاتِ بِسُوءِ الْمَطْعَمِ.

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ» " مَعْنَاهُ: كَيْفَ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ فَهُوَ اسْتِفْهَامٌ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ التَّعَجُّبِ وَالِاسْتِبْعَادِ، وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي اسْتِحَالَةِ الِاسْتِجَابَةِ، وَمَنْعِهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّوَسُّعَ فِي الْحَرَامِ وَالتَّغَذِّيَ بِهِ مِنْ جُمْلَةِ مَوَانِعِ الْإِجَابَةِ، وَقَدْ يُوجَدُ مَا يَمْنَعُ هَذَا الْمَانِعَ مِنْ مَنْعِهِ، وَقَدْ يَكُونُ ارْتِكَابُ الْمُحَرَّمَاتِ الْفِعْلِيَّةِ مَانِعًا مِنَ الْإِجَابَةِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْوَاجِبَاتِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّ تَرْكَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ يَمْنَعُ اسْتِجَابَةَ دُعَاءِ الْأَخْيَارِ، وَفِعْلَ الطَّاعَاتِ يَكُونُ مُوجِبًا لِاسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ. وَلِهَذَا لَمَّا تَوَسَّلَ الَّذِينَ دَخَلُوا الْغَارَ، وَانْطَبَقَتِ
الصَّخْرَةُ عَلَيْهِمْ بِأَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ الَّتِي أَخْلَصُوا فِيهَا لِلَّهِ تَعَالَى وَدَعَوُا اللَّهَ بِهَا، أُجِيبَتْ دَعْوَتُهُمْ.
وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: مَثَلُ الَّذِي يَدْعُو بِغَيْرِ عَمَلٍ، كَمَثَلِ الَّذِي يَرْمِي بِغَيْرِ وَتَرٍ. وَعَنْهُ قَالَ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَبْلُغُ الدُّعَاءَ، ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] (فَاطِرٍ: 10) .
وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: بِالْوَرَعِ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ يَقْبَلُ اللَّهُ الدُّعَاءَ وَالتَّسْبِيحَ.
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: يَكْفِي مَعَ الْبِرِّ مِنَ الدُّعَاءِ مِثْلُ مَا يَكْفِي الطَّعَامَ مِنَ الْمِلْحِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ: يَكْفِي مِنَ الدُّعَاءِ مَعَ الْوَرَعِ الْيَسِيرُ، وَقِيلَ لِسُفْيَانَ: لَوْ دَعَوْتَ اللَّهَ؟ قَالَ: إِنَّ تَرْكَ الذُّنُوبِ هُوَ الدُّعَاءُ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: رَأَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَجُلًا رَافِعًا يَدَيْهِ وَهُوَ يَسْأَلُ اللَّهَ مُجْتَهِدًا، فَقَالَ مُوسَى: أَيْ رَبِّ عَبْدُكَ دَعَاكَ حَتَّى رَحِمْتَهُ، وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَمَا صَنَعْتَ فِي حَاجَتِهِ؟ فَقَالَ: يَا مُوسَى لَوْ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ مَا نَظَرْتُ فِي حَاجَتِهِ حَتَّى يَنْظُرَ فِي حَقِّي.
وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مَعْنَاهُ.
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: أَصَابَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَلَاءٌ، فَخَرَجُوا مَخْرَجًا، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى نَبِيِّهِ أَنْ أَخْبِرْهُمْ أَنَّكُمْ تَخْرُجُونَ إِلَى الصَّعِيدِ بِأَبْدَانٍ نَجِسَةٍ،
وَتَرْفَعُونَ إِلَيَّ أَكُفًّا قَدْ سَفَكْتُمْ بِهَا الدِّمَاءَ وَمَلَأْتُمْ بِهَا بُيُوتَكُمْ مِنَ الْحَرَامِ، الْآنَ اشْتَدَّ غَضَبِي عَلَيْكُمْ، وَلَنْ تَزْدَادُوا مِنِّي إِلَّا بُعْدًا.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لَا تَسْتَبْطِئِ الْإِجَابَةَ، وَقَدْ سَدَّدْتَ طُرُقَهَا بِالْمَعَاصِي، وَأَخَذَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ:
نَحْنُ نَدْعُو الْإِلَهَ فِي كُلِّ كَرْبٍ ... ثُمَّ نَنْسَاهُ عِنْدَ كَشْفِ الْكُرُوبِ
كَيْفَ نَرْجُو إِجَابَةً لِدُعَاءٍ ... قَدْ سَدَدْنَا طَرِيقَهَا بِالذُّنُوبِ

Tidak ada komentar:

Posting Komentar

MUHASABATUN NAFS.

KOREKSI DIRI DAN ISTIQAMAH SETELAH RAMADHAN. Apakah kita yakin bahwa amal kita pasti diterima..?, kita hanya bisa berharap semoga Allah mene...