Senin, 10 April 2017

JAMIUL ULUM WAL HIKAM HADIS KE 12




[الْحَدِيثُ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ]
الْحَدِيثُ الثَّانِيَ عَشَرَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هَذَا الْحَدِيثُ خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ، وَقَدْ حَسَّنَهُ الشَّيْخُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ رِجَالَ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ، وَقُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَيْوَيْلَ وَثَّقَهُ قَوْمٌ وَضَعَّفَهُ آخَرُونَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِتَحْسِينِ الشَّيْخِ لَهُ، وَأَمَّا أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ، فَقَالُوا: لَيْسَ هُوَ بِمَحْفُوظٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَإِنَّمَا هُوَ مَحْفُوظٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، كَذَلِكَ رَوَاهُ الثِّقَاتُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، مِنْهُمْ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، وَيُونُسُ، وَمَعْمَرٌ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: " «مِنْ إِيمَانِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» " وَمِمَّنْ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَصِحُّ إِلَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ مُرْسَلًا الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ،
وَالْبُخَارِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَدْ خَلَّطَ الضُّعَفَاءُ فِي إِسْنَادِهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ تَخْلِيطًا فَاحِشًا، وَالصَّحِيحُ فِيهِ الْمُرْسَلُ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَصَلَهُ وَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَخَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ " مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالْعُمَرِيُّ لَيْسَ بِالْحَافِظِ، وَخَرَّجَهُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ فِي " تَارِيخِهِ " مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا، وَقَالَ: لَا يَصِحُّ إِلَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ مُرْسَلًا، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ الْأَدَبِ، وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ أَبُو عَمْرٍو بْنُ الصَّلَاحِ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ إِمَامِ الْمَالِكِيَّةِ فِي زَمَانِهِ أَنَّهُ قَالَ: جِمَاعُ آدَابِ الْخَيْرِ وَأَزِمَّتُهُ تَتَفَرَّعُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ: قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي اخْتَصَرَ لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ: «لَا تَغْضَبْ» وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ يُحِبُّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» .
وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِهِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَى مَا يَعْنِيهِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ؛ وَمَعْنَى يَعْنِيهِ: أَنَّهُ تَتَعَلَّقُ عِنَايَتُهُ بِهِ، وَيَكُونُ مِنْ مَقْصِدِهِ وَمَطْلُوبِهِ، وَالْعِنَايَةُ: شِدَّةُ الِاهْتِمَامِ بِالشَّيْءِ، يُقَالُ عَنَاهُ يَعْنِيهِ: إِذَا اهْتَمَّ بِهِ وَطَلَبَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَتْرُكُ مَا لَا عِنَايَةَ لَهُ بِهِ وَلَا إِرَادَةَ بِحُكْمِ الْهَوَى وَطَلَبِ النَّفْسِ، بَلْ بِحُكْمِ الشَّرْعِ وَالْإِسْلَامِ وَلِهَذَا جَعَلَهُ مِنْ حُسْنِ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا حَسُنَ إِسْلَامُ الْمَرْءِ، تَرَكَ مَا لَا يَعْنِيهِ فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الْأَقْوَالِ
وَالْأَفْعَالِ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَقْتَضِي فِعْلَ الْوَاجِبَاتِ كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي شَرْحِ حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَإِنَّ الْإِسْلَامَ الْكَامِلَ الْمَمْدُوحَ يَدْخُلُ فِيهِ تَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» وَإِذَا حَسُنَ الْإِسْلَامُ، اقْتَضَى تَرْكَ مَا لَا يَعْنِي كُلَّهُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُشْتَبِهَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، وَفُضُولِ الْمُبَاحَاتِ الَّتِي لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا، فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا يَعْنِي الْمُسْلِمَ إِذَا كَمُلَ إِسْلَامُهُ، وَبَلَغَ إِلَى دَرَجَةِ الْإِحْسَانِ، وَهُوَ أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ تَعَالَى كَأَنَّهُ يَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَرَاهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَرَاهُ، فَمَنْ عَبَدَ اللَّهَ عَلَى اسْتِحْضَارِ قُرْبِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ بِقَلْبِهِ، أَوْ عَلَى اسْتِحْضَارِ قُرْبِ اللَّهِ مِنْهُ وَاطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ، فَقَدْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَتْرُكَ كُلَّ مَا لَا يَعْنِيهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَيَشْتَغِلَ بِمَا يَعْنِيهِ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنْ هَذَيْنِ الْمَقَامَيْنِ الِاسْتِحْيَاءُ مِنَ اللَّهِ وَتَرْكُ كُلِّ مَا يُسْتَحْيَا مِنْهُ كَمَا وَصَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا أَنْ يَسْتَحْيِيَ مِنَ اللَّهِ كَمَا يَسْتَحْيِي مِنْ رَجُلٍ مِنْ صَالِحِي عَشِيرَتِهِ لَا يُفَارِقُهُ. وَفِي " الْمُسْنَدِ " وَالتِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: " «الِاسْتِحْيَاءُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا حَوَى، وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا وَعَى، وَلِتَذْكُرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» ".
قَالَ بَعْضُهُمْ: اسْتَحْيِ مِنَ اللَّهِ عَلَى قَدْرِ قُرْبِهِ مِنْكَ، وَخَفِ اللَّهَ عَلَى قَدْرِ قُدْرَتِهِ عَلَيْكَ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: إِذَا تَكَلَّمْتَ، فَاذْكُرْ سَمْعَ اللَّهِ لَكَ، وَإِذَا سَكَتَّ، فَاذْكُرْ نَظَرَهُ إِلَيْكَ.
وَقَدْ وَقَعَتِ الْإِشَارَةُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ - إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ - مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 16 - 18] [ق: 16، 17، 17] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [يونس: 61] [يُونُسَ: 61] ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: 80] (الزُّخْرُفِ: 80) .
وَأَكْثَرُ مَا يُرَادُ بِتَرْكِ مَا لَا يَعْنِي حِفْظُ اللِّسَانِ مِنْ لَغْوِ الْكَلَامِ كَمَا أُشِيرَ إِلَى ذَلِكَ فِي الْآيَاتِ الْأُولَى الَّتِي هِيَ فِي سُورَةِ (ق) .
وَفِي " الْمُسْنَدِ " مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ قِلَّةَ الْكَلَامِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ» .
وَخَرَّجَ الْخَرَائِطِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي مُطَاعٌ فِي قَوْمِي فَمَا آمُرُهُمْ؟ قَالَ لَهُ: مُرْهَمْ بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ، وَقِلَّةِ الْكَلَامِ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِمْ» .
وَفِي " صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ " عَنْ أَبِي ذَرٍّ، «عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: وَعَلَى الْعَاقِلِ مَا لَمْ يَكُنْ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ أَنْ تَكُونَ لَهُ سَاعَاتٌ: سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٌ يَتَفَكَّرُ فِيهَا فِي صُنْعِ اللَّهِ، وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا لِحَاجَتِهِ مِنَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ، وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لَا يَكُونَ ظَاعِنًا إِلَّا لِثَلَاثٍ: تَزَوُّدٌ لِمَعَادٍ، أَوْ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ، أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ؛ وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا بِزَمَانِهِ، مُقْبِلًا عَلَى شَأْنِهِ، حَافِظًا لِلِسَانِهِ، وَمَنْ حَسَبَ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ، قَلَّ كَلَامُهُ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ» .
قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَنْ عَدَّ كَلَامَهُ مَنْ عَمَلِهِ، قَلَّ كَلَامُهُ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَا يَعُدُّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ، فَيُجَازِفُ فِيهِ، وَلَا يَتَحَرَّى، وَقَدْ خَفِيَ هَذَا عَلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حَتَّى «سَأَلَ عَنْهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَنُؤَاخَذُ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي النَّارِ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟» .
وَقَدْ نَفَى اللَّهُ الْخَيْرَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا يَتَنَاجَى بِهِ النَّاسُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114] (النِّسَاءِ: 114) .
وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ كَلَامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لَا لَهُ إِلَّا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» .
وَقَدْ تَعَجَّبَ قَوْمٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، فَقَالَ سُفْيَانُ: وَمَا تَعَجُّبُكُمْ مِنْ هَذَا، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114] ؟ (النِّسَاءِ: 114) أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} [النبأ: 38] (النَّبَأِ: 38) .
وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: «تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ - يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَجُلٌ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَلَا تَدْرِي، فَلَعَلَّهُ تَكَلَّمَ بِمَا لَا يَعْنِيهِ أَوْ بَخِلَ بِمَا لَا يُغْنِيهِ» وَقَدْ رُوِيَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ وُجُوهٍ
مُتَعَدِّدَةٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي بَعْضِهَا: أَنَّهُ قُتِلَ شَهِيدًا.
وَخَرَّجَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ فِي " مُعْجَمِهِ " مِنْ حَدِيثِ شِهَابِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تُسَلِّمَ عَلَيْنَا؟ فَقَالَ: إِنَّكِ مِنْ قَبِيلٍ يُقَلِّلْنَ الْكَثِيرَ، وَتَمْنَعُ مَا لَا يُغْنِيهَا، وَتَسْأَلُ عَمًّا لَا يَعْنِيهَا» .
وَخَرَّجَهُ الْعُقَيْلِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «أَكْثَرُ النَّاسِ ذُنُوبًا أَكْثَرُهُمْ كَلَامًا فِيمَا لَا يَعْنِيهِ» ".
قَالَ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْمَلَائِيُّ: مَرَّ رَجُلٌ بِلُقْمَانَ وَالنَّاسُ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ عَبْدَ بَنِي فُلَانٍ؟ قَالَ بَلَى، قَالَ: الَّذِي كُنْتَ تَرْعَى عِنْدَ جَبَلِ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: بَلَى، فَقَالَ: فَمَا بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى؟ قَالَ صِدْقُ الْحَدِيثِ وَطُولُ السُّكُوتِ عَمَّا لَا يَعْنِينِي.
وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلَانِ بَلَغَتْ بِهِمَا عِبَادَتُهُمَا أَنْ مَشَيَا عَلَى الْمَاءِ، فَبَيْنَمَا هُمَا يَمْشِيَانِ فِي الْبَحْرِ إِذْ هُمَا بِرَجُلٍ يَمْشِي عَلَى الْهَوَاءِ،
فَقَالَا لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بِأَيِّ شَيْءٍ أَدْرَكْتَ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ؟ قَالَ: بِيَسِيرٍ مِنَ الدُّنْيَا: فَطَمْتُ نَفْسِي عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَكَفَفْتُ لِسَانِي عَمَّا لَا يَعْنِينِي، وَرَغِبْتُ فِيمَا دَعَانِي إِلَيْهِ، وَلَزِمْتُ الصَّمْتَ، فَإِنْ أَقْسَمْتُ عَلَى اللَّهِ، أَبَرَّ قَسَمِي، وَإِنْ سَأَلْتُهُ أَعْطَانِي.
دَخَلُوا عَلَى بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِي مَرَضِهِ وَوَجْهُهُ يَتَهَلَّلُ، فَسَأَلُوهُ، عَنْ سَبَبِ تَهَلُّلِ وَجْهِهِ، فَقَالَ مَا مِنْ عَمَلٍ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنْ خَصْلَتَيْنِ: كُنْتُ لَا أَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِينِي، وَكَانَ قَلْبِي سَلِيمًا لِلْمُسْلِمِينَ.
وَقَالَ مُوَرِّقٌ الْعِجْلِيُّ: أَمْرٌ أَنَا فِي طَلَبِهِ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا سَنَةً لَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ وَلَسْتُ بِتَارِكِ طَلَبِهِ أَبَدًا، قَالُوا: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الْكَفُّ عَمَّا لَا يَعْنِينِي. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا.
وَرَوَى أَسَدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، فَقَامَ إِلَيْهِ نَاسٌ، فَأَخْبَرُوهُ، وَقَالُوا: أَخْبِرْنَا بِأَوْثَقِ عَمَلِكَ فِي نَفْسِكَ، قَالَ: إِنَّ عَمَلِي لَضَعِيفٌ، وَأَوْثَقُ مَا أَرْجُو بِهِ سَلَامَةُ الصَّدْرِ، وَتَرْكِي مَا لَا يَعْنِينِي» .
وَرَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: مِنْ عَلَامَةِ إِعْرَاضِ اللَّهِ تَعَالَى، عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَجْعَلَ شُغْلَهُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ: مَنْ تَكَلَّمَ فِيمَا
لَا يَعْنِيهِ، حُرِمَ الصِّدْقَ، وَقَالَ مَعْرُوفٌ: كَلَامُ الْعَبْدِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ خِذْلَانٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ مَا لَا يَعْنِي الْمَرْءَ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِهِ، فَإِذَا تَرَكَ مَا لَا يَعْنِيهِ، وَفَعَلَ مَا يَعْنِيهِ كُلَّهُ، فَقَدْ كَمُلَ حُسْنُ إِسْلَامِهِ، وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ بِفَضْلِ مَنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ وَأَنَّهُ تُضَاعَفُ حَسَنَاتُهُ، وَتُكَفَّرُ سَيِّئَاتُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَثْرَةَ الْمُضَاعَفَةِ تَكُونُ بِحَسَبِ حُسْنِ الْإِسْلَامِ، فَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ "، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلَامَهُ، فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِمِثْلِهَا حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ» فَالْمُضَاعَفَةُ لِلْحَسَنَةِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَابُدَّ مِنْهُ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ تَكُونُ بِحَسَبِ إِحْسَانِ الْإِسْلَامِ، وَإِخْلَاصِ النِّيَّةِ وَالْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ وَفَضْلِهِ، كَالنَّفَقَةِ فِي الْجِهَادِ، وَفِي الْحَجِّ، وَفِي الْأَقَارِبِ، وَفِي الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ، وَأَوْقَاتِ الْحَاجَةِ إِلَى النَّفَقَةِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَزَلَتْ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] [الْأَنْعَامِ: 160] فِي الْأَعْرَابِ، قِيلَ لَهُ: فَمَا لِلْمُهَاجِرِينَ؟ قَالَ: مَا هُوَ أَكْثَرُ، ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40] [النِّسَاءِ: 40] .
وَخَرَّجَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَسْلَمَ
الْعَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ حَسَنَةٍ كَانَ أَزْلَفَهَا، وَمُحِيَتْ عَنْهُ كُلُّ سَيِّئَةٍ كَانَ أَزْلَفَهَا، ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقِصَاصُ، الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ اللَّهُ،» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: " وَقِيلَ لَهُ: ائْتَنِفِ الْعَمَلَ ".
وَالْمُرَادُ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ الَّتِي كَانَ أَزْلَفَهَا: مَا سَبَقَ مِنْهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُثَابُ بِحَسَنَاتِهِ فِي الْكُفْرِ إِذَا أَسْلَمَ وَتُمْحَى عَنْهُ سَيِّئَاتُهُ إِذَا أَسْلَمَ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُحْسِنَ إِسْلَامَهُ، وَيَتَّقِيَ تِلْكَ السَّيِّئَاتِ فِي حَالِ إِسْلَامِهِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: أَمَّا مَنْ أَحْسَنَ مِنْكُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهَا، وَمَنْ أَسَاءَ أُخِذَ بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ» .
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " «عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَسْلَمَ: أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِطَ، قَالَ: " تَشْتَرِطُ مَاذَا " قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: " أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟» " وَخَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَلَفْظُهُ: " أَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الذُّنُوبِ " وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْإِسْلَامِ الْكَامِلِ الْحَسَنِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي قَبْلَهُ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " أَيْضًا «عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَصْنَعُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ، أَفِيهَا أَجْرٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ:
قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَدَعُ شَيْئًا صَنَعْتُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا صَنَعْتُ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلَهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَسَنَاتِ الْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ يُثَابُ عَلَيْهَا» كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ سَيِّئَاتِهِ فِي الشِّرْكِ تُبَدَّلُ حَسَنَاتٍ، وَيُثَابُ عَلَيْهَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا - يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا - إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 68 - 70] [الْفَرْقَانِ 68 - 69 - 70] ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذَا التَّبْدِيلِ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ فِي الدُّنْيَا بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ يُبَدِّلُ مَنْ أَسْلَمَ وَتَابَ إِلَيْهِ، بَدَلَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي: الْإِيمَانُ وَالْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، وَحَكَى هَذَا الْقَوْلَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي " غَرِيبِ الْحَدِيثِ " عَنْ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَسَمَّى مِنْهُمُ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءً، وَقَتَادَةَ، وَالسُّدِّيَّ، وَعِكْرِمَةَ قُلْتُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْحَسَنِ.
قَالَ: وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو مَالِكٍ وَغَيْرُهُمَا: هِيَ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ خَاصَّةً لَيْسَ هِيَ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ. قُلْتُ: إِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى أَنْ يَكُونَ التَّبْدِيلُ فِي الْآخِرَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا إِنْ قِيلَ: إِنَّهُ فِي الدُّنْيَا، فَالْكَافِرُ إِذَا أَسْلَمَ وَالْمُسْلِمُ إِذَا تَابَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، بَلِ الْمُسْلِمُ إِذَا تَابَ، فَهُوَ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ.
قَالَ: وَقَالَ آخَرُونَ: التَّبْدِيلُ فِي الْآخِرَةِ: جُعِلَتْ لَهُمْ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةٌ، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، وَمَكْحُولٌ، وَابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: وَأَنْكَرَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَمُجَاهِدٌ، وَخَالِدٌ سَبَلَانُ، وَفِيهِ مَوْضِعُ إِنْكَارٍ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا حَاصِلُهُ
أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَنْ كَثُرَتْ سَيِّئَاتُهُ أَحْسَنُ حَالًا مِمَّنْ قَلَّتْ سَيِّئَاتُهُ حَيْثُ يُعْطِي مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ أَنْ يُبَدِّلَ السَّيِّئَاتِ حَسَنَاتٍ وَلَمْ يَذْكُرِ الْعَدَدَ كَيْفَ تُبَدَّلُ، فَيَجُوزُ أَنَّ مَعْنَى تُبَدَّلَ: أَنَّ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً وَاحِدَةً وَتَابَ مِنْهَا يُبَدِّلُهُ اللَّهُ مِائَةَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَنْ عَمِلَ أَلْفَ سَيِّئَةٍ أَنَّ تُبَدَّلَ أَلْفَ حَسَنَةٍ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مَنْ قَلَّتْ سَيِّئَاتُهُ أَحْسَنُ حَالًا.
قُلْتُ: هَذَا الْقَوْلُ - وَهُوَ التَّبْدِيلُ فِي الْآخِرَةِ - قَدْ أَنْكَرَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَتَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [آل عمران: 30] (آلِ عِمْرَانَ: 30) وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] (الزَّلْزَلَةِ: 8) وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49] (الْكَهْفِ: 49) وَلَكِنْ قَدْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ التَّائِبَ يُوقَفُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ، ثُمَّ تُبَدَّلُ حَسَنَاتٍ، قَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُؤْتَى كِتَابَهُ فِي سَتْرٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقْرَأُ سَيِّئَاتِهِ، فَإِذَا قَرَأَ تَغَيَّرَ لَهَا لَوْنُهُ حَتَّى يَمُرَّ بِحَسَنَاتِهِ، فَيَقْرَؤُهَا فَيَرْجِعُ إِلَيْهِ لَوْنُهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِذَا سَيِّئَاتُهُ قَدْ بُدِّلَتْ حَسَنَاتٍ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] (الْحَاقَّةِ: 19)
وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ: اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ، وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا، فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ، فَيُقَالُ لَهُ: عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، كَذَا وَكَذَا، وَعَمِلَتْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: نَعَمْ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا هَاهُنَا قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ» .
فَإِذَا بُدِّلَتِ السَّيِّئَاتُ بِالْحَسَنَاتِ فِي حَقِّ مَنْ عُوقِبَ عَلَى ذُنُوبِهِ بِالنَّارِ، فَفِي حَقِّ مَنْ مُحِيَتْ سَيِّئَاتُهُ بِالْإِسْلَامِ وَالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ أَوْلَى، لِأَنَّ مَحْوَهَا بِذَلِكَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ مَحْوِهَا بِالْعِقَابِ.
وَخَرَّجَ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي الْعَنْبَسِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَامٌ أَنَّهُمْ أَكْثَرُوا مِنَ السَّيِّئَاتِ قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِينَ بَدَّلَ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ» ، وَخَرَّجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَنْبَسِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، وَهُوَ أَشْبَهُ مِنَ الْمَرْفُوعِ، وَيُرْوَى مِثْلُ هَذَا، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَيْضًا وَيُخَالِفُ قَوْلَهُ الْمَشْهُورَ: إِنَّ التَّبْدِيلَ فِي الدُّنْيَا
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْحَرْبِيُّ فِي التَّبْدِيلِ، وَأَنَّ مَنْ قَلَّتْ سَيِّئَاتُهُ يُزَادُ فِي حَسَنَاتِهِ، وَمَنْ كَثُرَتْ سَيِّئَاتُهُ يُقَلَّلُ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ صَرِيحٌ فِي رَدِّ هَذَا، وَأَنَّهُ يُعْطَى مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَنْ كَثُرَتْ سَيِّئَاتُهُ أَحْسَنُ حَالًا مِمَّنْ قَلَّتْ سَيِّئَاتُهُ، فَيُقَالُ: إِنَّمَا التَّبْدِيلُ فِي حَقِّ مَنْ نَدِمَ عَلَى سَيِّئَاتِهِ، وَجَعَلَهَا نُصْبَ عَيْنَيْهِ، فَكُلَّمَا ذَكَرَهَا ازْدَادَ خَوْفًا، وَوَجَلًا، وَحَيَاءً مِنَ اللَّهِ، وَمُسَارَعَةً إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الْمُكَفِّرَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} [الفرقان: 70] (الْفُرْقَانِ: 70) وَمَا ذَكَرْنَاهُ كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ، فَإِنَّهُ يَتَجَرَّعُ مِنْ مَرَارَةِ النَّدَمِ وَالْأَسَفِ عَلَى ذُنُوبِهِ أَضْعَافَ مَا ذَاقَ مِنْ حَلَاوَتِهَا عِنْدَ فِعْلِهَا، وَيَصِيرُ كُلُّ ذَنْبٍ مِنْ ذُنُوبِهِ سَبَبًا لِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ مَاحِيَةٍ لَهُ، فَلَا يُسْتَنْكَرُ بَعْدَ هَذَا تَبْدِيلُ هَذِهِ الذُّنُوبِ حَسَنَاتٍ.

وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا أَسْلَمَ، وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، تَبَدَّلَتْ سَيِّئَاتُهُ فِي الشِّرْكِ حَسَنَاتٍ، فَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، «عَنْ أَبِي فَرْوَةَ شَطْبٍ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا، وَلَمْ يَتْرُكْ حَاجَةً وَلَا دَاجَةً، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: " أَسْلَمْتَ؟ " فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: " فَافْعَلِ الْخَيْرَاتِ، وَاتْرُكِ السَّيِّئَاتِ، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ لَكَ خَيْرَاتٍ كُلَّهَا " قَالَ: وَغَدَرَاتِي وَفَجَرَاتِي؟ قَالَ: " نَعَمْ " قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ حَتَّى تَوَارَى» .
وَخَرَّجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي نُفَيْلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَخَرَّجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ مَكْحُولٍ مُرْسَلًا، وَخَرَّجَ الْبَزَّارُ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ وَعِنْدَهُ: عَنْ أَبِي طَوِيلٍ شَطْبٍ الْمَمْدُودِ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ، وَكَذَا خَرَّجَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ فِي " مُعْجَمِهِ " وَذَكَرَ أَنَّ الصَّوَابَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ مُرْسَلًا أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَوِيْ شَطْبٍ، وَالشَّطْبُ فِي اللُّغَةِ: الْمَمْدُودُ، فَصَحَّفَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ، وَظَنَّهُ اسْمَ رَجُلٍ.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar

MUHASABATUN NAFS.

KOREKSI DIRI DAN ISTIQAMAH SETELAH RAMADHAN. Apakah kita yakin bahwa amal kita pasti diterima..?, kita hanya bisa berharap semoga Allah mene...