Senin, 10 April 2017

JAMIUL ULUM WAL HIKAM HADIS KE 13



[الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ]

الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هَذَا الْحَدِيثُ خَرَجَّاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ " حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ أَوْ لِأَخِيهِ " بِالشَّكِّ.
وَخَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَلَفْظُهُ: " لَا يَبْلُغُ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ ".
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ مَعْنَى الرِّوَايَةِ الْمُخَرَّجَةِ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِنَفْيِ الْإِيمَانِ نَفْيُ بُلُوغِ حَقِيقَتِهِ وَنِهَايَتِهِ، فَإِنَّ الْإِيمَانَ كَثِيرًا مَا يُنْفَى لِانْتِفَاءِ بَعْضِ أَرْكَانِهِ وَوَاجِبَاتِهِ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ،» وَقَوْلِهِ: «لَا يُؤْمِنُ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مُرْتَكِبِ الْكَبَائِرِ: هَلْ يُسَمَّى مُؤْمِنًا نَاقِصَ الْإِيمَانِ، أَمْ لَا يُسَمَّى مُؤْمِنًا؟ وَإِنَّمَا يُقَالُ: هُوَ مُسْلِمٌ، وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.
فَأَمَّا مِنِ ارْتَكَبَ الصَّغَائِرَ، فَلَا يَزُولُ عَنْهُ اسْمُ الْإِيمَانِ بِالْكُلِّيَّةِ، بَلْ هُوَ مُؤْمِنٌ نَاقِصُ الْإِيمَانِ، يَنْقُصُ مِنْ إِيمَانِهِ بِحَسَبِ مَا ارْتَكَبَ مِنْ ذَلِكَ.
وَالْقَوْلُ بِأَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبَائِرِ يُقَالُ لَهُ: مُؤْمِنٌ نَاقِصُ الْإِيمَانِ مَرْوِيٌّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ، لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الزَّانِي يُنْزَعُ مِنْهُ نُورُ الْإِيمَانِ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يُنْزَعُ مِنْهُ الْإِيمَانُ، فَيَكُونُ فَوْقَهُ كَالظُّلَّةِ، فَإِنْ تَابَ عَادَ إِلَيْهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ: الْإِيمَانُ كَالْقَمِيصِ، يَلْبَسُهُ الْإِنْسَانُ تَارَةً، وَيَخْلَعُهُ تَارَةً أُخْرَى، وَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرُهُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ إِذَا كَمُلَ خِصَالُ الْإِيمَانِ، لَبِسَهُ، فَإِذَا نَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ نَزَعَهُ، وَكُلُّ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى الْإِيمَانِ الْكَامِلِ التَّامِّ الَّذِي لَا يَنْقُصُ مِنْ وَاجِبَاتِهِ شَيْءٌ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ خِصَالِ الْإِيمَانِ الْوَاجِبَةِ أَنْ يُحِبَّ الْمَرْءُ لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَيَكْرَهَ لَهُ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ، فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ عَنْهُ، فَقَدْ نَقَصَ إِيمَانُهُ بِذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: أَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ
تَكُنْ مُسْلِمًا» خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ «سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَفْضَلِ الْإِيمَانِ، قَالَ: أَفْضَلُ الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ لِلَّهِ وَتُبْغِضَ لِلَّهِ، وَتُعْمِلَ لِسَانَكَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ، قَالَ: وَمَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبَّ لِنَفْسِكَ، وَتَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ، وَأَنْ تَقُولَ خَيْرًا أَوْ تَصْمُتَ» .
وَقَدْ رَتَّبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُخُولَ الْجَنَّةِ عَلَى هَذِهِ الْخَصْلَةِ؛ فَفِي " مُسْنَدِ " الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ «عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَسَدٍ الْقَسْرِيِّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتُحِبُّ الْجَنَّةَ "؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: " فَأَحِبَّ لِأَخِيكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ» ".
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَلْتُدْرِكْهُ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَيَأْتِي إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ» .
وَفِيهِ أَيْضًا «عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ» .
وَإِنَّمَا نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، لِمَا رَأَى مِنْ ضَعْفِهِ، وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ هَذَا لِكُلِّ ضَعِيفٍ، وَإِنَّمَا كَانَ يَتَوَلَّى أُمُورَ النَّاسِ، لِأَنَّ اللَّهَ قَوَّاهُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَرَهُ بِدُعَاءِ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ إِلَى طَاعَتِهِ، وَأَنْ يَتَوَلَّى سِيَاسَةَ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.
وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أَرْضَى لَكَ مَا أَرْضَى لِنَفْسِي، وَأَكْرَهُ لَكَ مَا أَكْرَهُ لِنَفْسِي، لَا تَقْرَأِ الْقُرْآنَ وَأَنْتَ جُنُبٌ، وَلَا أَنْتَ رَاكِعٌ، وَلَا أَنْتَ سَاجِدٌ» .
وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ يَبِيعُ حِمَارًا لَهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَتَرْضَاهُ لِي؟ قَالَ: لَوْ رَضِيتُهُ لَمْ أَبِعْهُ، وَهَذِهِ إِشَارَةٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَرْضَى لِأَخِيهِ إِلَّا مَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ جُمْلَةِ النَّصِيحَةِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي هِيَ مِنْ جُمْلَةِ الدِّينِ كَمَا سَبَقَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ حَدِيثَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ» خَرَّجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَسُوءُهُ مَا يَسُوءُ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ، وَيُحْزِنُهُ مَا يُحْزِنُهُ.
وَحَدِيثُ أَنَسٍ الَّذِي نَتَكَلَّمُ الْآنَ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَسُرُّهُ مَا يَسُرُّ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ، وَيُرِيدُ لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ مَا يُرِيدُهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَهَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا يَأْتِي مِنْ كَمَالِ سَلَامَةِ الصَّدْرِ مِنَ الْغِلِّ وَالْغِشِّ وَالْحَسَدِ، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَقْتَضِي أَنْ يَكْرَهَ الْحَاسِدُ أَنْ يَفُوقَهُ أَحَدٌ فِي خَيْرٍ، أَوْ يُسَاوِيَهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَمْتَازَ عَلَى النَّاسِ بِفَضَائِلِهِ، وَيَنْفَرِدَ بِهَا عَنْهُمْ، وَالْإِيمَانُ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْ يُشْرِكَهُ الْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ فِيمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مَنْ لَا يُرِيدُ الْعُلُوَّ فِي الْأَرْضِ وَلَا الْفَسَادَ، فَقَالَ: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا} [القصص: 83] (الْقَصَصِ: 83) . وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ بِإِسْنَادٍ فِيهِ نَظَرٌ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُعْجِبُهُ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ أَنْ يَكُونَ أَجْوَدَ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِ صَاحِبِهِ فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83] . وَكَذَا رُوِيَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: لَا يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ نَعْلُهُ أَجْوَدَ مِنْ نَعْلِ غَيْرِهِ، وَلَا شِرَاكُهُ أَجْوَدَ مِنْ شِرَاكِ غَيْرِهِ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ الْفَخْرَ عَلَى غَيْرِهِ لَا مُجَرَّدَ التَّجَمُّلِ، قَالَ عِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: الْعُلُوُّ فِي الْأَرْضِ:
التَّكَبُّرُ، وَطَلَبُ الشَّرَفِ وَالْمَنْزِلَةِ عِنْدَ ذِي سُلْطَانِهَا، وَالْفَسَادُ: الْعَمَلُ بِالْمَعَاصِي.
وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يَفُوقَهُ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ فِي الْجَمَالِ، فَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْحَاكِمُ فِي " صَحِيحِهِ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ مَالِكُ بْنُ مَرَارَةَ الرَّهَاوِيُّ، فَأَدْرَكْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ قُسِمَ لِي مِنَ الْجَمَالِ مَا تَرَى، فَمَا أُحِبُّ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ فَضَلَنِي بِشِرَاكَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا، أَلَيْسَ ذَلِكَ هُوَ الْبَغْيُ؟ فَقَالَ: " لَا، لَيْسَ ذَلِكَ بِالْبَغْيِ، وَلَكِنَّ الْبَغْيَ مَنْ بَطِرَ - أَوْ قَالَ: - سَفِهَ الْحَقَّ وَغَمَصَ النَّاسَ» ".
وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَاهُ، وَفِي حَدِيثِهِ: " الْكِبْرُ " بَدَلُ " الْبَغْيِ ".
فَنَفَى أَنْ يَكُونَ كَرَاهَتُهُ لِأَنْ يَفُوقَهُ أَحَدٌ فِي الْجَمَالِ بَغْيًا أَوْ كِبْرًا، وَفَسَّرَ الْكِبْرَ وَالْبَغْيَ بِبَطَرِ الْحَقِّ، وَهُوَ التَّكَبُّرُ عَلَيْهِ، وَالِامْتِنَاعُ مِنْ قَبُولِهِ كِبْرًا إِذَا خَالَفَ هَوَاهُ، وَمِنْ هُنَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: التَّوَاضُعُ أَنَّ تَقْبَلَ الْحَقَّ مِنْ كُلِّ مَنْ جَاءَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، فَمَنْ قَبِلَ الْحَقَّ مِمَّنْ جَاءَ بِهِ، سَوَاءً كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، وَسَوَاءً كَانَ يُحِبُّهُ أَوْ لَا يُحِبُّهُ، فَهُوَ مُتَوَاضِعٌ، وَمَنْ أَبَى قَبُولَ الْحَقِّ تَعَاظُمًا عَلَيْهِ، فَهُوَ مُتَكَبِّرٌ.

وَغَمْصُ النَّاسِ: هُوَ احْتِقَارُهُمْ وَازْدِرَاؤُهُمْ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ مِنَ النَّظَرِ إِلَى النَّفْسِ بِعَيْنِ الْكَمَالِ، وَإِلَى غَيْرِهِ بِعَيْنِ النَّقْصِ.
وَفِي الْجُمْلَةِ، فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُحِبَّ لِلْمُؤْمِنِينَ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَيَكْرَهُ لَهُمْ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ رَأَى فِي أَخِيهِ الْمُسْلِمِ نَقْصًا فِي دِينِهِ، اجْتَهَدَ فِي إِصْلَاحِهِ.
قَالَ بَعْضُ الصَّالِحِينَ مِنَ السَّلَفِ: أَهْلُ الْمَحَبَّةِ لِلَّهِ نَظَرُوا بِنُورِ اللَّهِ، وَعَطَفُوا عَلَى أَهْلِ مَعَاصِي اللَّهِ، مَقَتُوا أَعْمَالَهُمْ، وَعَطَفُوا عَلَيْهِمْ لِيُزِيلُوهُمْ بِالْمَوَاعِظِ عَنْ فِعَالِهِمْ، وَأَشْفَقُوا عَلَى أَبْدَانِهِمْ مِنَ النَّارِ، وَلَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِنًا حَقًّا حَتَّى يَرْضَى لِلنَّاسِ مَا يَرْضَاهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ رَأَى فِي غَيْرِهِ فَضِيلَةً فَاقَ بِهَا عَلَيْهِ فَتَمَنَّى لِنَفَسِهِ مِثْلَهَا، فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْفَضِيلَةُ دِينِيَّةً، كَانَ حَسَنًا، وَقَدْ تَمَنَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ مَنْزِلَةَ الشَّهَادَةِ.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَهُوَ يَقْرَؤُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ» .
«وَقَالَ فِي الَّذِي رَأَى مَنْ يُنْفِقُ مَالَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، فَقَالَ: " لَوْ أَنَّ لِي مَالًا، لَفَعَلْتُ فِيهِ كَمَا فَعَلَ، فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ» " وَإِنْ كَانَتْ دُنْيَوِيَّةً، فَلَا خَيْرَ فِي تَمَنِّيهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ - وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [القصص: 79 - 80] (الْقَصَصِ: 79 - 80) . وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 32] (النِّسَاءِ: 32) ، فَقَدْ فُسِّرَ ذَلِكَ بِالْحَسَدِ، وَهُوَ تَمَنِّي الرَّجُلِ نَفْسَ مَا أُعْطِيَ أَخُوهُ مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ، وَأَنْ يَنْتَقِلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَفُسِّرَ بِتَمَنِّي مَا هُوَ مُمْتَنِعٌ شَرْعًا أَوْ قَدَرًا، كَتَمَنِّي النِّسَاءِ أَنْ يَكُنَّ رِجَالًا، أَوْ يَكُونُ لَهُنَّ مِثْلُ مَا لِلرِّجَالِ مِنَ الْفَضَائِلِ الدِّينِيَّةِ كَالْجِهَادِ، وَالدُّنْيَوِيَّةِ كَالْمِيرَاثِ، وَالْعَقْلِ وَالشَّهَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقِيلَ: إِنَّ الْآيَةَ تَشْمَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ.
وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ، فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَحْزَنَ لِفَوَاتِ الْفَضَائِلِ الدِّينِيَّةِ، وَلِهَذَا أَمَرَ أَنْ يَنْظُرَ فِي الدِّينِ إِلَى مَنْ فَوْقَهُ، وَأَنْ يُنَافِسَ فِي طَلَبِ ذَلِكَ جُهْدَهُ وَطَاقَتَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (الْمُطَفِّفِينَ: 26) وَلَا يَكْرَهُ أَنَّ أَحَدًا يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ، بَلْ يُحِبُّ لِلنَّاسِ كُلِّهِمُ الْمُنَافَسَةَ فِيهِ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ تَمَامِ أَدَاءِ النَّصِيحَةِ لِلْإِخْوَانِ. كَمَا قَالَ الْفُضَيْلُ: إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ مِثْلَكَ، فَمَا أَدَّيْتَ النَّصِيحَةَ لِرَبِّكَ، كَيْفَ وَأَنْتَ تُحِبُّ أَنْ يَكُونُوا دُونَكَ؟ ! يُشِيرُ إِلَى أَنَّ النَّصِيحَةَ لَهُمْ أَنْ يُحِبَّ أَنْ يَكُونُوا فَوْقَهُ، وَهَذِهِ مَنْزِلَةٌ عَالِيَةٌ، وَدَرَجَةٌ رَفِيعَةٌ فِي النُّصْحِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ، وَإِنَّمَا الْمَأْمُورُ بِهِ فِي الشَّرْعِ أَنْ يُحِبَّ أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُ، وَمَعَ هَذَا، فَإِذَا فَاقَهُ أَحَدٌ فِي فَضِيلَةٍ دِينِيَّةٍ، اجْتَهَدَ عَلَى لِحَاقِهِ، وَحَزِنَ عَلَى تَقْصِيرِ نَفْسِهِ، وَتَخَلُّفِهِ عَنْ لِحَاقِ السَّابِقِينَ، لَا حَسَدًا لَهُمْ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ، بَلْ مُنَافَسَةً لَهُمْ، وَغِبْطَةً وَحُزْنًا عَلَى النَّفْسِ بِتَقْصِيرِهَا وَتَخَلُّفِهَا عَنْ دَرَجَاتِ السَّابِقِينَ.

وَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ لَا يَزَالَ يَرَى نَفْسَهُ مُقَصِّرًا عَنِ الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ، فَيَسْتَفِيدُ بِذَلِكَ أَمْرَيْنِ نَفِيسَيْنِ: الِاجْتِهَادُ فِي طَلَبِ الْفَضَائِلِ، وَالِازْدِيَادُ مِنْهَا، وَالنَّظَرُ إِلَى نَفْسِهِ بِعَيْنِ النَّقْصِ، وَيَنْشَأُ مِنْ هَذَا أَنْ يُحِبَّ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَا يَرْضَى لَهُمْ أَنْ يَكُونُوا عَلَى مِثْلِ حَالِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ بِمَا هِيَ عَلَيْهِ،
بَلْ يَجْتَهِدُ فِي إِصْلَاحِهَا. وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسْعٍ لِابْنِهِ: أَمَّا أَبُوكَ، فَلَا كَثَّرَ اللَّهُ فِي الْمُسْلِمِينَ مِثْلَهُ.
فَمَنْ كَانَ لَا يَرْضَى عَنْ نَفْسِهِ، فَكَيْفَ يُحِبُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُ مَعَ نُصْحِهِ لَهُمْ؟ بَلْ هُوَ يُحِبُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُ، وَيُحِبُّ لِنَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ عَلِمَ الْمَرْءُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ خَصَّهُ عَلَى غَيْرِهِ بِفَضْلٍ، فَأَخْبَرَ بِهِ لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ، وَكَانَ إِخْبَارُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّحَدُّثِ بِالنِّعَمِ، وَيَرَى نَفْسَهُ مُقَصِّرًا فِي الشُّكْرِ، كَانَ جَائِزًا، فَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي، وَلَا يَمْنَعُ هَذَا أَنْ يُحِبَّ لِلنَّاسِ أَنْ يُشَارِكُوهُ فِيمَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنِّي لَأَمُرُّ عَلَى الْآيَةِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَأَوَدُّ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يَعْلَمُونَ مِنْهَا مَا أَعْلَمُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَدِدْتُ أَنَّ النَّاسَ تَعَلَّمُوا هَذَا الْعِلْمَ، وَلَمْ يُنْسَبْ إِلَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ. وَكَانَ عُتْبَةُ الْغُلَامُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ يَقُولُ لِبَعْضِ إِخْوَانِهِ الْمُطَّلِعِينَ عَلَى أَمْرِهِ وَأَعْمَالِهِ: أَخْرِجْ إِلَيَّ مَاءً أَوْ تَمَرَاتٍ أُفْطِرُ عَلَيْهَا؛ لِيَكُونَ لَكَ أَجْرٌ مِثْلُ أَجْرِي.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar

MUHASABATUN NAFS.

KOREKSI DIRI DAN ISTIQAMAH SETELAH RAMADHAN. Apakah kita yakin bahwa amal kita pasti diterima..?, kita hanya bisa berharap semoga Allah mene...